يزداد الحديث عن تقسيم سوريا والعراق، وتُرسم لهذا المشروع سيناريوات عدة. لكن اللافت هو في الجهة المُسوّقة لهذا المشروع، حيث تجهد منظومة «حزب الله« الإعلامية، منذ أن سيطرت المعارضة السورية على ادلب وتقدّمت في درعا، للترويج لمشروع تفتيت المنطقة. حتى بدا لمحور «الممانعة» أن «الدولة المركزية الواحدة سقطت في كل من بغداد ودمشق، ولا عودة اليها قطعاً». هذا ليس أخطر ما في الموضوع، بل في الترويج لفكرة أن «هذا ما يريده أهل البلدين، بأقدامهم وأفواههم وأصابع الأزناد»! وكأن بـ»محور المقاومة» الديمقراطي يقول:»بما أن السوريين والعراقيين يريدون التقسيم، فلا يمكن أن نقف بوجه طموحاتهم»! ويخلص أحد منظري هذه «المنظومة» الى استنتاج، مفاده أن «سوريا، إن لم يحافظ نظامها وحكمها على كامل اراضيها، فالتقسيم هو الحل». بمعنى آخر، يقول «حزب الله« على لسان إعلامه:»إما أن يكون الأسد رئيساً على كامل الاراضي السورية، وإما التقسيم»!
ما هكذا خرج الأمين العام لـ»حزب الله« السيّد حسن نصرالله في خطابه في 2007/7/28، ليعلن «إنهيار مشروع «الشرق الأوسط الجديد» تحت أقدام المجاهدين ونعال الأطفال ودمائهم التي سُفكت في عدوان تموز». خطابه وصراخه وحديثه يومها، عن «إسقاط مشروع الشرق الأوسط «البوشي» و»الكونداليراسي»، لتفتيت المنطقة الى دويلات طائفية مذهبية ممزقة متقاتلة متناحرة تلجأ كل منها لأميركا واسرائيل لتكون الحامية لها»، لم تكن لتقول إن «الحزب الإلهي» يمكن أن يسوّق يوماً لمشروع تفتيت المنطقة الى دويلات مذهبية.
المؤشرات كافة تشير الى أن ايران و«حزب الله«، ذراعها الاقوى في المنطقة، فقدا الأمل نهائياً بسوريا موحّدة تحت حكم وسيطرة الاسد، وبات طموحهما إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والعمل على إنشاء دويلة علوية، تحافظ طهران من خلالها على مصالحها الاقليمية، وتؤمّن عبرها التواصل الجغرافي والسياسي مع لبنان، قاعدة ايران الكبرى في المنطقة.
هكذا انكفأ قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، من معاركه في حندرات شمالاً ودرعا جنوباً، باتجاه الساحل السوري، واستقدم لمشروع الدفاع عن «دويلة الاسد» آلاف المقاتلين. وتزامن كل ذلك مع رسائل بعثتها اسرائيل، بحسب «يديعوت احرونوت»، الى «حزب الله« وايران لطمأنتهما حول حقيقة التدريبات الدفاعية الداخلية (سام نقطة تحوّل 15)، ولتجنّب تقديرات خاطئة من جهة الحزب وإيران، لحقيقة هذه التدريبات. وكأن اسرائيل تخاطب محور المقاومة:»سيروا فعيني ترعاكم»!
في قديم الزمان، كان للسيّد نصرالله نظرية سياسية لطالما ردّدها في خطاباته. كان الرجل على قناعة تامة بأن اسرائيل تسعى لتفتيت المنطقة، من خلال إضعاف الجيوش العربية أولاً. وبعد انطلاق «ربيع العرب»، حيث فقدت ايران الامل بالحفاظ على «هلالها» من خلال انظمة موالية لها، أخذت طهران مهمة إضعاف الجيوش على عاتقها، لصالح ميليشياتها الخاصة. دمّرت ما تبقى من الجيش والمؤسّسات الامنية العراقية، لتحل مكانها ميليشيا «الحشد الشعبي» المذهبية، التي دعا نصرالله الى تعميم نموذجها وفكرها على المنطقة. دمّرت الجيش السوري، واغتالت كبار الضباط (حتى العلويين ممّن رفضوا الهيمنة الايرانية على سوريا) لتحلّ مكانه ميليشيات مذهبية لبنانية وعراقية وافغانية، وقوات «حفظ النظام السوري« التي يصفها البعض بـ»باسيج سوريا». دمّرت الجيش اليمني واستبدلته بجيش حوثي، تلقى تدريباته وتسليحه مباشرة من طهران. دعمت حزباً مذهبياً في لبنان، ليصبح القوة العسكرية والسياسية المُقرّرة، على حساب الدولة اللبنانية وجيشها.
يتبيّن في نهاية المطاف، أن مشكلة نصرالله لم تكن مع مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، بل مع كونداليزا رايس وادارة بوش اللتين لم تشاركا ايران بهذا «التفتيت». ولا مشكلة مع مشروعٍ تقسيمي يرسم ملامحه المفاوضون على «النووي» في لوزان وجنيف، وينفّذه «حزب الله« والميليشيات الايرانية من الشيعة العرب باللحم الحي! «هكذا تريد الشعوب»، تُسوّق منظومة «الممانعة» الإعلامية. وهكذا يُهيّئ «حزب الله« جمهوره لمراحل جديدة من الصراع قد تقتضي الامور فيها التضحية بالمزيد منهم. يُقتل عشرات الآلاف؟ لا بأس. تُقسّم المنطقة الى أقاليم مذهبية؟ تاريخ العرب محكوم بمتغيّرات سياسية وجغرافية وديمغرافية ! تفوز ايران بمهمّة تفتيت المنطقة بدلاً من اسرائيل؟ يدخل الشرق الاوسط بصراعات مذهبية دموية وأحقاد تاريخية تُبقي اسرائيل بأمان لعقود مقبلة؟ سيخرج من يجيب عن هذه التساؤلات- الهواجس بالقول:» تحرير فلسطين يبدأ بالسيطرة على المنطقة وبالقضاء على التكفيريين، هكذا جاء الأمر الإلهي»! أمر إلهي بتنفيذ «شرق أوسط الخامنئي« وليس شرق «أوسط كونداليزا رايس«!