ثلاثة مؤشّرات، مصحوبة بضخّ إعلامي هائل، توحي بأن بلدة عرسال قد لا تنعم بهدوء طويل، وبأن «أولويات» معركة الجرود، تُبعد، موقتاً، مشاريع إدخال هذه البلدة ومحيطها في أتون حروب المنطقة وحساباتها. المؤشّر الأول يتمثّل في التسويق لمعلومات تشير بأن أمير «جبهة النصرة» في القلمون أبو مالك التلة والعشرات من قيادات وعناصر «الجبهة»، فرّوا الى داخل عرسال وانتشروا بين صفوف النازحين. والمؤشر الثاني يتمثّل في انتشار فيديو على موقع يوتيوب يحمل عنوان «بيان انطلاق كتيبة الفاروق عمر في عرسال»، ويظهر فيه 7 رجال ملثّمين، يدّعون أنهم «من أبناء عرسال»، معلنين تشكيل الكتيبة لتكون «درعاً لأهالي البلدة». والمؤشر الثالث ظهر في بيان صدر عمّن أطلقوا على أنفسهم صفة «فعاليات عرسال»، وعلى رأسهم مسؤول حزب البعث أديب الحجيري، الذي طالب بـ»تحرير البلدة من العصابات التكفيرية».
ثلاثة مؤشّرات، وفقاً لنظريات الممانعة الإعلامية، تُكمل بعضها بعضاً! يخرج مسؤول بعثي، يتلقى أوامره من الاستخبارات السورية، ليطالب بتحرير عرسال من «التكفيريين». فيَليها، ويا للصدفة، تسجيل لمجموعة مسلحة ملثّمة تحمل رايات سوداً لتعلن تأسيس «كتيبة الفاروق عمر«. وكأن بهذه الكتيبة تقول لـ»من يهمه الأمر»: «نعم، المسؤول البعثي ومحوره على حق، نحن هنا في قلب عرسال ومن أبناء البلدة»!
خَبِرَ اللبنانيون والسوريون طوال سنوات، الأساليب «المُكرّرة» لمحور الممانعة وإعلامه لتحقيق أهدافه. هذه الاساليب تقوم على 3 خطوات مترابطة: «خطاب ناري، فشريط مسجّل لمجموعات مسلحة، فبيان للأهالي يستنجد». هكذا دخل الأسد الى المدن السورية بعد ان خرجت بيانات للأهالي تطالبه بـ»التدخّل فوراً لـ»اجتثاث الإرهاب». وبدلاً من أن يدخل الأسد الى المدن لحماية الأهالي، كما ادّعى ولا يزال، عَمِلَ على تدمير المدن بشكل ممنهج لتحقيق غاياته المرسومة مسبقاً.
شاءت الصدف أن تُفضح الكثير من «أفلام» محور المقاومة. فلطالما تناقلت المنظومة الإعلامية لهذا المحور بيانات «لواء أحرار السنة-بعلبك» وتهديداته التي نشرها وتبنّيه للكثير من التفجيرات. ليتبيّن لاحقاً ان مُشغّل الموقع هو حسين شامان حسين، شاب لبناني «مراهق» ينتمي الى «حزب اللهّ«! إذاً كان «لواء أحرار السنة- بعلبك» هو الجهة الوحيدة التي تبنّت هذه التفجيرات، ومن ثمّ تبيّن أن مشغّل الموقع هو أحد المنتسبين الى «حزب الله«، فمن هي الجهة المسؤولة عن التفجيرات؟ ربما يتوجّب على المحكمة العسكرية التحقيق مجدداً مع الوزير السابق ميشال سماحة.
أجاد محور الممانعة صناعة «الشياطين» لتحقيق بعض أهدافه. وأحياناً، كان يستغلّ «الشيطان الحقيقي» بغية تحقيق أهداف أوسع. هكذا خرج الأمين العام لـ»حزب الله« السيّد حسن نصرالله سابقاً ليضع خطوطاً حمراً بوجه الجيش اللبناني في مخيّم «نهر البارد«. يومها اطلعنا السيّد، الحريص على فلسطيني المخيّم وعلى الجيش اللبناني، على نظرية جديدة في عالم السياسة. ذكّر نصرالله آنذاك بخطاب الرئيس الأميركي جورج بوش الذي قال فيه: «عندما ذهبنا الى العراق أتينا بالقاعدة حتى نقاتلها في هذا البلد. أيهما أفضل، أن نترك القاعدة تهاجمنا في عقر دارنا، أو أن ننشئ جبهة قتال لنواجهها فيها؟». وانطلق السيّد من كلام بوش، ليشرح نظريته: «هل تريدون تحويل لبنان الى ساحة صراع مع القاعدة؟ هل نحن معنيون في فتح صراع مع القاعدة يؤدي الى استقطاب عناصر ومقاتلين من هذا التنظيم الى لبنان؟». هكذا بالحرف.
في ذلك الوقت، كان نصرالله يعتبر أن قتال تنظيم «القاعدة« وشاكر العبسي (الذي أُطلق سراحه من السجون السورية باتجاه لبنان لإنشاء إمارة إسلامية في طرابلس من شأنها شيطنة أهالي المدينة) يستجلب الويلات على لبنان، ويستقطب «القاعدة« من كافة أنحاء العالم. لكن هذه النظرية سقطت، عندما بات من الضروري «شيطنة» عرسال أو حمص أو درعا أو حماة، تمهيداً لمحاربة هذا «الشيطان». ولم تعد محاربة «القاعدة»، تشكلّ، في نظر السيّد، أي استقطاب للمقاتلين من حول العالم. لا بل أكثر من ذلك، بات عنوان «القاعدة« ضرورة في خطاب محور الممانعة الموجّه الى الغرب:» نحن نحارب الإرهاب مثلكم»!
تُبثّ الأخبار وتُنشر الفيديوات وتصدر البيانات، تمهيداً لخطاب جديد قد نسمعه في الأيام والأسابيع المقبلة. سيخرج الممانعون بـ»تعليمة» موحّدة صادرة عن «مطبخ« إعلامي واحد، ليقولوا: «لقد وضعنا ثقتنا بالجيش اللبناني، وها هو تنظيم القاعدة يسرح ويمرح في قلب عرسال»! وسيطالب هؤلاء الجيش اللبناني بضرب الإرهابيين في عرسال (على الطريقة السورية)، وإلا فالعشائر وعائلات بعلبك-الهرمل ستتدخّل«. هكذا «شيطن» محور الممانعة المدن السورية وضرب «الاعتدال» فيها ودمّرها بالكامل، واشتبك مع الجيش الحر وألقى البراميل المتفجّرة على رؤوس الأطفال والنساء والعجّز من دون أن يلتفت الى «داعش« وأخواته. هكذا أطلق الأسد والمالكي آلاف المعتقلين من «القاعدة« من سجنَي صيدنايا وبو غريب وتم استبدالهم بالمثقفين المعتدلين من الذين يمكن أن يشكّلوا بديلاً من الأسد. هكذا أطلق محور الممانعة سراح آلاف الارهابيين ليستثمرهم في خطابه الموجّه الى الغرب: «لا وجود لثورة في سوريا.. بل هناك إرهابيون»! وهكذا تكرّر الممانعة الأسلوب نفسه، للمرة الألف.. ولكن هذه المرة مع عرسال!