«حزب الله» لا يريد من اللبنانيين إلّا الركون إلى تطميناته التي تنسال علينا من كلّ منابر العزاء التي يقيمها لأفراده العائدين من القصير والقلمون، ومن العراق أحياناً. قوّته سدّ منيع أمام هول ورعب التنظيمين الإسلاميَين «النصرة» و«داعش». المطلوب أن يقف اللبنانيون إلى جانب الجيش على طريقة الحزب الموعود بانتصاراتٍ إلهية لا تنضب.
«حزب الله» يقفز فوق الحقيقة الرهيبة لحضور التنظيم في لبنان. لا يرى في فرار خمسة عسكريين من الجيش أيّ شيء يستأهل الوقوف عنده. نزول أهالي العسكريين المخطوفين إلى الشارع وقطع الطرقات أمر عادي جداً.
كلّ هذا لا يهمّ «حزب الله»، فهو مهموم بالحدود الشرقية والجنوبية في آن. وقوع البلد على خط الزلازل الإقليمي لا يستدعي منه حتى الإصغاء لمَن يدعونه للعودة إلى الداخل، والاستنكاف عن مناصرة طغيان آل الأسد المتمادي أشكالاً وفصولاً منذ أربعين عاماً.
كل ما يراه ويرد عليه إزدراءً هو أصوات المطالبين بتقوية الدولة والجيش عبر اللهج بمطلب نزع سلاحه وهو مطلب إسرائيلي تعريفاً. وإذا ما اقتنع هؤلاء بلا جدوى الدعوات المتعاقبة لا يبقى ثمّة منفذ للشرّ بينه وبين اللبنانيين إلّا أميركا وإسرائيل.
الأمر على هذا القدر من السهولة، ولا يجدر بحالٍ من الأحوال تأويل حراكه العسكري على أنه يندرج في أجندة إيرانية. لكنّ لبنان بلد التأويل والإجتهاد السياسي ولو كان فوضوياً في أحايين كثيرة. كذلك فإنّ الحزب من الأقحاح في هذا المجال فهو غالباً ما يحاكم المختلفين عنه بمحاكمة النيات أو إستناداً إلى ما تذكره تقارير غربية. وهذه التقارير يعتدّ بها متى كانت تعزّز محاكماته الفوقية.
في كلّ الأحوال، فلنأخذ تصريحات وتهويلات مفوَّهي الحزب على محمل الجد. المواجهة مع تنظيمَي «النصرة و «داعش» غير مكتملة العناصر لأنّ البعض يهمل «المؤامرة» التي ينفذها التنظيمان لصالح أميركا وإسرائيل، ويصرّ على المطالبة بوضع السلاح بتصرّف الجيش لحماية الحدود الشرقية والشمالية.
ما تقدّم ليس صحيحاً على أيّ وجه من الوجوه تناولناه، لأنّ سلاح الحزب سيبقى في دوامة عدم الإعتراف بشرعيته ليس لأنه يُشهَر بوجه عدوِّنا الأول: إسرائيل. بل لأنّ هذا السلاح ليس سلاحاً جامعاً. والعمل الحثيث على جعله شرعياً في لبنان يبدأ بأسئلة واضحة:
ماذا يفعل «حزب الله» في سوريا؟ وما الذي يتوجّب عليه لطمأنة اللبنانيين بأنه لن يستهدفَهم ولن يرتدّ عليهم كما حصل في ذاك اليوم من السابع من أيار عام 2008؟ وكيف للمقاومة أن تكون وطنية جامعة وهي فئوية منذ العام 1986 يوم نُكِّل بالشيوعيين وأُبعدوا عن أرضهم ومنها؟
الثابت أنّ الحزب لن يكلّف نفسه عناء البحث عن أجوبة تشفي غليل اللبنانيين المتأجّج من العام 2000. سيُلقى بمهمة الإجابة على كاهل اللبنانيين من غير «أشرف الناس» وعلى مَن هم من غير «جمهور المقاومة». هذه سيرته المديدة معنا، ولن تتغير الآن.
الآن «حزب الله» يتنسّك في محبس وحيد أوحد: هبّوا لمقاتلة النصرة وداعش من دون أيّ سجال، أما إنغماسه ضدّ الثورة السورية سجال لا مكان له، وعليكم أيها للبنانيون أن تبحثوا في وسائل الإنتصار على «النصرة» ذلك أنّ الدم المسفوح لبناني والأرض المنتهك سيادتها لبنانية صرف وليست سورية. ألم يقل هكذا حرفياً النائب نواف الموسوي مخاطباً الوزير أشرف ريفي: عليك «التخلّي عن المراوغة مع الوحش ومواجهته، لا أن يضيع الجهد في المواجهة معنا التي لا تُقدّم ولا تُؤخّر».
على هذا لا يعرف المرء كيف يصف البعض مثل هذه الخطب خطباً وطنية همّها الجيش والبلد؟ إذ لا يكفي أن يصمّ «حزب الله» آذاننا بجمل شكلها لبناني صرف ومضمونها محضُ إقليمي ومتصل بما هو أبعد من عرسال. ولا يكفي أن يهوِّل بفائض قوّته وقدرته على الإنتصار المحتمَل.
«النصرة» صارت في قلب لبنان، جماهيرياً وليس خلايا نائمة. ولم تعد على حدود البلد فقط. والحزب هو مَن استدعاها أكثر من مرة سواء في السابع من أيار أو سواء في الإنقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري والمباهاة بأنّ الأخير دخل لمقابلة الرئيس الاميركي كرئيس حكومة لبنان وخرج من اللقاء رئيساً سابقاً.
الراهن من أمرنا لا يصلحه دعوات الحزب الخفرة والمبطّنة لعودة الحريري إلى لبنان ومن ثمّ الرد على يده المدودة بإحالة الحوار حيناً إلى الأفرقاء المسيحيين، وأحياناً إلى الظروف الإقليمية. إذا كانت حال الحزب ستستمرّ على ما هي عليه فإنّ الأسوأ هو ما ينتظرنا، والأرجح أنّ الحزب لن يكون «وطنيا» في الداخل اللبناني العام من سعي حثيث للتواصل مع زعماء السنّة الحقيقيين والوازنين في البلد.
على الحزب أن يستبدل مواليه من السياسيين السُنّة المتبطلين من زمن الرئيس جمال عبد الناصر بالفعليين منهم على غرار الرئيس سعد الحريري.