Site icon IMLebanon

حزب الله و«الوطني الحرّ» من «التفاهم» الى «التكامل»

 

 

 

ما أشبه اليوم بالأمس

في الرابع عشر من آب 2006، احتفل «حزب الله» بـ «النصر الإلهي» الذي حقّقه في وجه العدو الإسرائيلي، بعد حربٍ أرادها الأخير للقضاء عليه، فإذا بها تقضي على ما تبقى له هو من هيبة. وعلى الرغم من أنّ هذا «الانتصار» لم يكن الأول في سجلّ المقاومة الذهبي، إلا أنّ طعمه كان مختلفًا بالنسبة للحزب، فالحرب عليه لم تكن إسرائيليّة فحسب، بل كونيّة وعالميّة بكلّ ما للكلمة من معنى، تُرِك فيها وحيدًا يواجه تحالفاً غريبًا عجيبًا لم يجمع بين مكوّناته سوى «الحقد» على المقاومة والرغبة بإنهائها عن بكرة أبيها.

وفي الرابع عشر من آب 2015، يخوض حليف «حزب الله»، «التيار الوطني الحر»، المعركة نفسها، وبوجه التحالف نفسه، وإن اختلفت المسمّيات والأهداف والأدوات. هم أنفسهم من عجزوا عن القضاء على «حزب الله» عسكريًا يحاولون ضربه اليوم سياسيًا من خلال حليفه المسيحي، رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، الذي كان من قلّة وقفت إلى جانب الحزب في الأوقات الصعبة، ولا يخجلون بالحديث علناً عن قرار دولي يشاركون بتنفيذه بكسر عون وصولاً حتى إذلاله.

ليست هذه مقاربة «التيار الوطني الحر» أو «حزب الله» فحسب، بل هي مقاربة واقعيّة لا يمكن قراءة الأحداث بمعزلٍ عنها، على حدّ تعبير مصادر سياسيّة، ومن خلالها فقط يمكن فهم «تشبّث» خصوم عون بمواقفهم، وسعيهم الحثيث لمنع «الجنرال» من تحقيق أيّ شيء يمكن أن يسجّله كـ«إنجاز» أمام شارعه، مهما كان بسيطًا، ومن خلالها فقط يمكن استيعاب «غيرة» هؤلاء على عون، ودعوتهم ليلاً نهاراً إياه لإعادة النظر بـ«تحالفاته»، لمصلحته هو قبل غيره، على اعتبار أنّ هؤلاء الحلفاء، وفي مقدّمهم «حزب الله»، هم من خذلوه وحشروه في الزاوية، وبالتالي فإنّ حسابه يجب أن يكون معهم أولاً وأخيرًا.

وعلى الرغم من أنّ قوى الثامن من آذار غير موحّدة في التعامل مع حراك عون الميدانيّ، بل إنّ بعضها بات يشكّل «رأس حربة» في مواجهة «الجنرال» بشكلٍ أو بآخر، فإنّ هذه الأصوات لا تلقى أيّ صدًى يُذكر في الشارع «العوني»، أقلّه من جهة «حليفه» الأبرز، «حزب الله». ولا تتردّد مصادر «التيار الوطني الحر» بالقول في هذا السياق أنّ التفاهم بين الجانبين بات وراء ظهرنا، إذ أنّ الأمر تحوّل ليصبح تكاملاً وجوديًا بكلّ ما للكلمة من معنى، وهي ترفض القول أنّ «الحزب» تخلّى عن «التيّار» كما يسعى «الغيارى» للقول، مشدّدة على أنّ الحزب مع «التيّار» قلباً وقالباً، وقد أثبت ذلك مراراً وتكرارًا.

ومن هذه النقطة بالتحديد، تنطلق مصادر سياسيّة مطّلعة لتلفت إلى أنّ هناك توجّهاً صارمًا لدى جمهور «حزب الله» في الرؤية لكل ما يحصل، لا سيما أنه في هذه الأيام يعيش الذكرى العاشرة لعدوان تموز 2006، عندما تُرِكت المقاومة وحيدة في مواجهة عدوان إسرائيلي مدعوم من قوى محلية واقليمية ودولية. وترى المصادر أنّ المشهد نفسه يتكرر اليوم مع «الجنرال»، حيث تجتمع القوى نفسها من أجل إنهاء الحالة التي يمثلها على الصعيد المسيحي، والمشكلة الأساسية التي لديها معه هي وقوفه إلى جانب «حزب الله» على كافة المستويات، من دعم المقاومة ودوره في سوريا، خصوصاً بعد أن أعلن بشكل واضح أنه في المحور المنتصر في المنطقة، إلى مواجهته القوى الراغبة في الإستمرار بالإستئثار بالسلطة منذ إتفاق الطائف.

كلّ ما سبق يقود إلى خلاصةٍ لا بدّ منها، وفق المصادر نفسها، وهي أنّه لا يمكن ترك رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» وحيداً في المعركة الوجودية التي يخوضها، حتى ولو أعلن الأخير أنه لا يطلب شيئاً من أحد، لا سيما الحلفاء، وهي تجدّد في هذا الإطار التذكير بكلام الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله عن دَيْنٍ في رقبة الحزب ليوم القيامة، ومن هنا يأتي موقف المقاومة الحاسم بدعم «الجنرال» في مطالبه، خصوصاً على طاولة مجلس الوزراء أو في المجلس النيابي.

وتشدد المصادر السياسية المطلعة على أنّ «حزب الله» ليس من النوع الذي يترك من وقف إلى جانبه في أصعب الظروف، بل على العكس من ذلك، اليوم هو مستعد لتقديم أغلى الأثمان على طريق منع الإستفراد به، وتذهب أبعد من ذلك بالقول أنّ المعركة معركة الحزب قبل أن تكون معركة «التيار الوطني الحر»، لا سيما أنّه مُطالَبٌ اليوم من جمهوره بالوقوف في وجه الطبقة السياسية الفاسدة، التي تمنع القيام بأيّ خطوةٍ إصلاحيّة، على قاعدة أنّ إسرائيل ليست وحدها التي تُذِلّ، وأنّ التحرير لا يمكن أن يُصان ما لم يكن مترافقاً مع خطط تنموية تعزّز تمسّك اللبنانيين بأرضهم بدل أن يقفوا صفوفاً أمام السفارات الأجنبية باحثين عن الحصول على فيزا تكون لهم بمثابة المنقذ من الأوضاع المتردّية التي يعيشونها على مختلف المستويات.

قد يكون من حق البعض في قوى الثامن من آذار أن يعترض على تحرك العماد عون في الشارع، أو على رفع مستوى مطالبه عالياً، تقول المصادر، لكنها تؤكد أنّ الأمر مختلف بالنسبة إلى الحزب، فهو يعتبر أنّ ما يطالب به «التيار الوطني الحر» هو حق بالوجود لا أكثر، تماماً كما كان الحزب يقدم الآلاف من الشهداء والجرحى دفاعاً عن الوجود أمام العدوان الإسرائيلي، وبالتالي لا يمكن له أن يكون ناكراً للجميل في هذه المرحلة، حتى لو كان موقف «الجنرال» في تموز من العام 2006 نابعاً من خياره الوطني الملتزم بالوقوف إلى جانب أبناء الوطن الواحد بوجه الأعداء.

وفيما تؤكد هذه المصادر أن دعم العماد عون هو واجب وطني على من يؤمن بالعيش الواحد في البلاد، خصوصاً أن كسره يعني القضاء على الصيغة التي يقوم عليها لبنان، تلفت إلى أنّ رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» يمثل بالنسبة إلى جمهور المقاومة حالة إصلاحية لم تتلطخ يداها بالفساد وسرقة المال العام، ولا بالخيانة أو العمالة لأي جهة خارجية، وإنكسارها هو بمثابة إنكسار للمقاومة نفسها، لا سيما أن ذلك سيكون بمثابة القضاء على فرصة تاريخية للإنتقال من حالة المزرعة التي يعيشها لبنان إلى حالة الدولة، التي تؤمّن أدنى مقوّمات العيش الكريم لمواطنيها.

إذًا، القرار اتّخِذ. «حزب الله» لا يمكن أن يترك «الجنرال» يواجه وحيدًا، وهو الذي يعلم علم اليقين بأنّ المعركة معركته قبل غيره. ولعلّ تلازم إطلالتي «السيد» و«الجنرال» في ذكرى «الانتصار» ستشكّل «رسالة» يأمل المعنيّون أن تصل إلى من لا يزالون «يحلمون» بأنّ هذا التحالف قابلٌ لـ«الفكّ»!