IMLebanon

«حزب الله» و«خيار» الانتحار.. القسري

على الرغم من التناقضات التي تجتمع في هيكليته وطروحاته وعلى الرغم من الازدواجية التي تسيطر على منهجه وعلى طريقة تعاطيه مع الأحداث الداخلية والخارجية والتي غالباً ما توقعه في فخ أو شر أفعاله، إلّا انه يُسجّل لـ»حزب الله» بأنه يسير على خط متوازٍ في عمله السياسي والعسكري لدرجة أن عارفي أو متتبعي «شطحاته» السياسية وانزلاقاته العسكرية، أصبحوا يدركون جيّداً أن هناك مركز قرار واحداً يركن اليه في كل أفعاله وهو ما يجعله يغرق في كل يوم أكثر فأكثر من دون أن يكترث الى خطورة وعواقب ما يقوم به، سواء عليه أو على أبناء وطنه أو على أبناء طائفته على وجه الخصوص.

بين مشروع «حزب الله» السياسي القائم على مبدأ أن «كلام الليل يمحوه النهار» ومشروعه العسكري الذي يرتكز على إدعاء المظلومية وبأنه مُستهدف بسلاحه ومقاومته، ثمة تلازم وترابط بقرار خارجي يأخذه بشكل واضح إلى انتحار لا إرادي ضمن عقيدة لا تستلهم سوى الموت كطريق وحيد لتحقيق الأهداف، ومن هنا يُمكن ملاحظة سعي وحرص الحزب على ضمان المصالح الإيرانية وصولاً الى حد تمثيلها عسكرياً على ساحل المتوسط وبشكل خاص على طول الحدود مع إسرائيل، وهو ما يظهر بشكل جليّ من خلال المستنقعات التي يُغرق نفسه بها في أكثر من دولة عربية، بالإضافة إلى استماتته من أجل تثبيت موقع ايران عند الحدود السورية – الإسرائيلية والتي كلفته حتّى اليوم خسارة مجموعات نخبوية من قادته من بينهم جهاد عماد مغنيّة.

لا بد للباحث بين سطور كلام سياسيي «حزب الله» أن يجد بينها كميّات هائلة من عبارة «الأجندات الخارجية»، عبارة أصبحت جاهزة لتُرمى بوجه كل من ينتقد أو يعترض على سياسة الحزب سواء كانوا من أبناء الوطن الواحد أو الجلدة الواحدة على غرار «شيعة السفارة» وما صدر بحقهم من عبارات عدائية وتخوينية وتحريضية استعادها قادة «حزب الله» من قاموس النظام السوري ومن فتاوى سابقة كانت أهدرت حياة مئات الشُبّان خلال السنوات الأولى لولادة الحزب من رحم «الثورة الإيرانية»، واليوم تتجدد هذه الفتاوى وتستمر مفاعيلها لتطال الأبرياء خارج حدود القرية والمدينة وما أشبه اليوم بزمن «إقليم التفاح».

في بيانه التأسيسي يوم 16/2/1985 وتحت عنوان «من نحن وما هي هويتنا؟»، يؤكد «حزب الله» التالي: «نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط وتتجسد حاضراً بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظله«، وبعد ثلاثين عاماً على البيان، يعود الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ليؤكد المؤكد ويقول «أنا أفتخر أن أكون فرداً في حزب ولاية الفقيه»، وهي الولاية التي تتعدى طموحاتها الحدود أو الأرض التي تسكنها وهي الحالة نفسها المفروضة على الحزب والتي تستدعيه لكي يكون في أكثر من ساحة حرب دفعة واحدة، جميعها فُرضت عليه تحت بدعة «الواجب الجهادي» وما ينضوي تحته من شعارات وعبارات جميعها تقع تحت خانة التحريض المذهبي ونبش الأحقاد.

من أولويات الأجندة الإيرانية اليوم، تحويل بوصلة سلاح «حزب الله» إلى المنطقة العربية وتحويل أمنها إلى قلق دائم، إذ إنه وعلى الرغم من الخطاب السياسي الإيراني المناكف لإسرائيل إعلامياً، إلا أن الاعتبارات التي تحكم الاستراتيجية الإيرانية ترتبط بمخططها في الخليج وما تصبو اليه من توسيع لنفوذها من خلال «حزب الله» أحد أذرع الحرس الثوري الإيراني الخارجية المطلوب منه بشكل دائم، إنقاذ الانزلاقات والسقطات السياسية الإيرانية ولو على حساب الأمن والاستقرار في لبنان والمنطقة وعلى حساب الدم العربي والشيعي على وجه التحديد.

اليوم يحاول «حزب الله» إقناع جمهوره الشيعي، بأن معركته هي مع الدول العربية متناسياً أن لجزء كبير من هذا الجمهور أبناء وأقارب ومصالح في هذه الدول، وهو يسعى في الوقت عينه إلى خلق شرخ بين حكومات هذه الدول والنسيج الشيعي وإلى إيجاد مناخ عدائي بينهما، ليُؤلّب جمهوره ويضعه في المواجهة مع دول لم يبدر منها إلا كل خير تجاه هذا الشعب، وها هو تموز النكبات والأوجاع، ما زال ماثلاً في أذهانه ووجدانه، وها هي طرقات العديد من قرى الجنوب ومشاريعه التي تحمل أسماء لدول عربية كعربون شكر على دعمها، ما زالت أيضاً تحفظ الجميل وتُبادله بالموقف نفسه.