لم تغب طائرات النظام السوري طيلة الاسبوع الماضي عن سماء مدن وبلدات الغوطة الشرقية وخصوصاً بلدة «دوما» وحيّ «تشرين» الذي لم يُبقِ فيه النظام منزلاً، إلّا وسوّاه بالأرض ولا عائلة إلا وحصد منها شهيداً على الأقل. كما وزّع حقده على ريف حماه الشمالي والغربي ببراميل مُتفجرة وعشرات الصواريخ الموجهة وأخرى من نوع أرض – أرض، ومئات قذائف الهاون. كل هذا الحقد نزل على بلدات يخنقها الحصار ويلفّها الحقد المتنامي الذي يتولّد في نفوس النظام وضباطه وعناصره، وحلفائه من «الحرس الثوري الإيراني» و«حزب الله» بالإضافة إلى ما يُعرف بـ«الميليشيات الشيعية» المؤتمرة بولاية الفقيه.
عشرات الشهداء ومثلهم جرحى هم ضحايا النظام أمس نتيجة جولات حقده على اكثر من بلدة سوريّة ذنبها انها رفضت الخنوع والركوع لمبدأ الإرهاب ولعصابات السرقة والتنكيل. لكن كل هذا الحقد والانتقام، لم يمنع الفصائل المُسلّحة في مُحيط «الغوطة»، من استعادة النقاط التي سبق وتقدمت اليها قوّات النظام و»حزب الله» والميليشيات العراقية والأفغانية، أمّا الأسباب التي تكمن وراء السعي الدائم للحلف «الممانع» لإسقاط الغوطة الشرقية، كونها تُعتبر الخاصرة الرخوة للعاصمة دمشق. وأمام هذا الواقع الذي يتأكد كل يوم بأن نظام بشّار الأسد لا يُمكن أن يكون جزءاً من الحل في سوريا خصوصاً وأنه قد امتهن قتل الأطفال والنساء والشيوخ منذ سنوات خمس، وإلى اليوم ما زال يسير على النهج نفسه حيث يقوم بتوزيع جرائمه بالتوازي، بين حلب وإدلب وحماة والغوطة، لكن الأبرز، يكمن في السؤال عن الدور الذي يقوم به «حزب الله» حليف النظام الأبرز في هذه الحرب.
صمت «حزب الله» على ما يقوم به حليفه بشّار الأسد، هو في مكان ما، نوع من الشراكة أو تكامل في الادوار لكل منهما، والأرجح أن الحزب شارك في سوريا، في الاثنين معاً وهذا ما سبق وأظهرته مشاهد مصوّرة لبعض عناصره وهم يلتقطون صوراً لأنفسهم إمّا أمام جثث مُحترقة، وإمّا أثناء تعذيبهم لعناصر وقعوا في الأسر. وعدد كبير من السوريين، يؤكدون بحسب اعترافاتهم، سواء ممن هم في الداخل السوري أو من الذين تمكّنوا من الفرار من القتل، أن تورّط «حزب الله» بالدم السوري إلى جانب الأسد، هو أمر ليس بجديد ولا يعود أيضاً إلى يوم إعلان السيد حسن نصرالله عن التدخل العلني في العام 2013. والنشطاء السوريون يعودون إلى أوائل العام 2011 ليؤكدوا أنهم في ذلك الحين، أصدروا بياناً اتهموا فيه الحزب بالمشاركة في أعمال القمع التي اندلعت في درعا، وتبع ذلك بيان مشابه لطلاب جامعة دمشق في نيسان 2011، ثم جاءت شهادة الجندي المنشق والفار إلى تركيا أحمد خلف، وتلت ذلك مجموعة بيانات موثقة بالصوت والصورة، تُظهر هذا التدخل بشكل واضح.
جرائم النظام السوري وغضّ طرف «حزب الله» عنها، لم تقتصر على عمليات الإبادة التي يشنها الطيران أو قصف المدنيين بقنابل تحمل أنواعاً من المواد القاتلة، بل تصل إلى حد قتل مساجين تحت التعذيب على الرغم من الدعوات التي يُطلقها نظام الأسد، إلى المسلحين من أجل تسليم أنفسهم وأسلحتهم، مع «وعود» بمعاملتهم بشكل لائق وإخضاعهم لمحاكمات عادلة. وتأكيداً على إجرامه، تكشف منظمات إنسانية بشكل متتابع أعداداً تفوق التصوّر لسجناء قضوا تحت التعذيب في سجون النظام منذ العام 2011 وحتى العام 2015، إثر تعرضهم للضرب المبرح والاغتصاب في السجن.
إنتقام النظام وحلفائه انتقل قبل يومين إلى ريف إدلب ومدينة درعا التي أغرقها الحقد بالبراميل المتفجرة، فحصد الضحايا بالعشرات من المدنيين على الرغم من أن درعا هي اليوم بعيدة نوعاً ما عن خطوط النار، لكن الإنتقام الذي يطبع هذا النظام الدموي تجاه هذه المدينة، يعود لسبب وحيد هو انها كانت أوّل بلدة وقرية ومدينة في سوريا، تُعلن عصيانها في وجه الحقد وآلة القتل وتلفيقات أجهزة المُخابرات، فكان أن قضى يومها الطفل حمزة الخطيب تحت التعذيب في أقبية مخابرات الفتنة وزنازينها الملطخة بدماء الأبرياء.
ثمة مؤشرات تدل اليوم على أن الأحوال في سوريا، قد تبدأ بالتبدل في أي لحظة، وذلك وفقاً للحوارات والتفاهمات القائمة بين الدول المعنية بشكل أساسي بالأزمة السورية. وهناك من يُرجح بأن إشعال فتيل الحرب والقتل بين منطقة وأخرى، هو بمثابة الرصاصة الأخيرة لكل من النظام وحلفائه في الحرس الثوري و»حزب الله»، والهدف منه إطالة عمر الأزمة السورية لحين تحقيق مكاسب ميدانية أقلها حفظ ماء الوجه بين بيئتهم وجمهورهم خصوصاً في ظل الأحاديث التي بدأت تتطرق إلى ضرورة إخراج جميع الفصائل المسلحة غير السورية من الداخل السوري، بما فيها المناطق الواقعة عند الحدود اللبنانية – السورية. وتطال هذه الأحاديث، «حزب الله» على وجه الخصوص والذي بدأت بيئته مؤخراً، تُمنّي النفس بإنسحاب كهذا، كونه الوحيد الذي يُمكن أن ينتشلها من هذا التورّط الأعمى.