يذهب «حزب الله» بعيداً في الدفاع عن نظام بشّار الأسد وربما أكثر من الأسد نفسه والذي أصبح متيقناً أن بقاءه في السلطة لم يعد سوى مسألة وقت تراوح مؤشراته بين هبوط وارتفاع وذلك بحسب الظروف الإقليميّة المؤاتية. واستماتة «حزب الله» هذه كلفته حتى اليوم، سقوط أكثر من ألفي عنصر وما يفوق أربعة آلاف جريح، معظم إصابتهم توضع في خانة الحرجة حتى أن كثيرين منهم تتم معالجتهم في أكثر من دولة من بينها إيران وألمانيا.
هو مصير رسمه «حزب الله» لعناصره وبيئته جرّهم من خلاله إلى الموت المُحتّم وما زال يُسيّرهم على الطريق نفسه على الرغم من حجم المأساة التي يُخلفها هذا الطريق في نفوس هذه البيئة من قهر ووجع، وهي البيئة التي لم تعد تعرف لمن تُسلّم بقدرها أو مصيرها بعد أن فقدت الأمل بعودة ربيع عمرها إلى ما قبل العام 2011، يوم قرر «حزب الله» استبدال ابتسامتها بالدموع وزرع دربها بدماء الأبناء والأحفاد.
منذ ستة أعوام و»حزب الله» يُجاهر بوعود بـ»انتصارات« إلهيّة يقول بأنها لا بد وأن تتحقّق يوماً. انتصارات الحزب أو ما كان ينتظره من معجزات، تحوّلت خلال الأيام الماضية إلى مُجرّد أمنيات ووعود «دونكيشوتية» بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن انسحاب جزء كبير من قواته من سوريا وهو الأمر الذي أربك الحزب ومعه إيران من أن يتحولا إلى صيد سهل بيد المعارضة السورية تحديداً في المناطق التي تشهد معارك حامية على الأرض والتي كانت الغلبة فيها لأصدقاء روسيا نوعاً ما، بفعل الغارات التي كانت تشنّها طائرات السوخوي التي غابت بدورها خلال اليومين المنصرمين عن أجواء بعض المدن «الحامية».
قلق «حزب الله» من الانسحاب الروسي، شاطرته فيه إسرائيل التي أعربت عن خشيتها من أن تتحوّل حدودها إلى مسرح للثوّار، وهو كلام يدحض إدعاءات «الممانعة» التي تتهم فيها وجود تنسيق عسكري وعلاقات سياسية بين إسرائيل والثوّار بهدف ضرب الثورة. وفي ما خص الانسحاب الروسي، تتردّد مجموعة أسئلة لجهة ما إذا كان يُمكن لإيران و»حزب الله» أن يتحملا عبئاً إضافياً في غياب روسيا، وفي هذه الحالة سيعود الحزب ليتحمّل الضغط مُجدداً سيعود ليلعب الدور الأكبر في المعارك في ظل غياب الغطاء الجوي الروسي، وهو الأمر الذي سيتسبب بخسائر بشرية كبيرة في صفوفه مع احتمال تغيير خريطة السيطرة التي ظنّ لوهلة أنها ستوصله إلى منصّة التتويج بالنصر.
قد يكون تخوّف «حزب الله» من انسحاب روسي في محلّه، لكنّه بالتأكيد لم ولن يجعله يُعيد النظر بعملية وجوده في سوريا رغم المعلومات التي تحدثت أول من أمس عن إمكانية انسحابه من هناك. وما يؤكد عدم قراءته لواقع مجريات الأمور السياسية بشكل جيّد، ما جرى الكشف عنه بالأمس حول وصول كتيبة «الرضوان» إلى مدينة «تدمر» السورية في ريف حمص الشرقي، وذلك بعد انسحاب معظم القطع والوحدات العسكرية الروسية من مُحيطها. ومن المعروف أن عناصر هذه الكتيبة هم من النخبة وكانت لديهم مشاركة فعّالة في حرب تموز 2006، ولاحقاً تم استنزافها في أكثر من مدينة في سوريا وآخرها مشاركتها في معركة «الزبداني» حيث سقط منها هناك ما لا يقل عن مئة عنصر بعضهم قادة عسكريون كبار سبق أن شاركوا في معارك عديدة في جنوب لبنان.
أمام هذا الواقع المأزوم، يُحكى عن إطلالة مرتقبة للأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله سيتطرق خلالها الى الحديث عن الوضع العام في المنطقة كما سيتطرق إلى الانسحاب الروسي وانعكاساته على الواقع الميداني. من المؤكد أن نصرالله سيكابر على الجرح الذي يُستنزف منذ سنوات وسيعود ويُكرّر «انتصاراته» و»إنجازاته» منذ أن انزلق في الحرب، بمعنى أن لا جديد سيطرأ على الخطاب «المُنتظر». ولكن من جهة أخرى، ثمّة من ينتظر بفارغ الصبر، أن يُعلن «السيّد» سحب عناصره من سوريا ولو بالتقسيط وإعادتهم إلى لبنان، لتتبدّل دموع القهر والألم، بدموع الفرح في الربيع المقبل.