IMLebanon

«حزب الله» و«الإفلاس الجماهيري» .. من البقاع إلى بيروت

مخاتير وبلديات عشائر وعائلات تتمرد على «التكليف الشرعي»

«حزب الله» و«الإفلاس الجماهيري» .. من البقاع إلى بيروت

هي عادة قديمة مُستحدثة درج عليها «حزب الله» منذ زمن طويل وهي خوض جميع الاستحقاقات الانتخابية والمصيرية تحت راية أو مظلة «الشهداء» والجرحى ومواجهة العدو الإسرائيلي. فمنذ انخراطه شكلياً وليس فعليّاً في مشروع الدولة عبر خوضه الانتخابات النيابية للمرة الاولى في العام 1992، تمكّن من حصد 12 مقعداً بعد تحريض طائفي واللعب على الغرائز المذهبية اثر اطلاقه شعارات زائفة ومُغلّفة بين أنصاره وجمهوره بأنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أول أهدافه السياسية باتجاه قيام «الجمهورية الاسلامية في لبنان»، والتي كان سبقها واقع عسكري ما زال قائماً حتّى اليوم.

اليوم سقطت كل حجج واداعاءات «حزب الله» بحيث لم تعد دعوات التجييش والتحريض وادعاء المقاومة، تنفع في شحذ همم أنصاره ومؤيديه ولا حتّى حلفائه خصوصاً بعدما انحرفت أو انقلبت بالأحرى بوصلته من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، فتحوّلت الجبهة مع العدو إلى نقطة من أكثر الأماكن أمناً وأصبح الشعب السوري بمثابة العدو الأبرز والذي يعمل على اقتلاعه من جذوره وتشريده بعد احراق أرضه وهويته، ومن هنا أتت دعوة الحزب جمهوره لمواكبة الانتخابات البلدية في كل من البقاع وجبل لبنان التي تُعتبر بلدية الغبيري من أهمها، في غاية الاستغراب نظراً الى ضآلة حجم المشاركة والتصويت من قبل جمهور كان في ما مضى يحسم هكذا نتائج قبل أسابيع من استحقاقها.

كارثة فعليّة حلّت بـ»حزب الله» في منطقة لطالما تغنّى بأنها خزّان مقاومته وبأنها نقطته الوحيدة المُطلة على جرود روّج بأنها تحمل مشاريع «تكفيرية» لا هم لها سوى إقتلاع البيئة الشيعيّة هناك كخطوة أولية لإنهاء الحزب وعسكرته. في هذه النقطة جاءت خسارة الحزب مدوية على يد الأهالي الذين يبدو أنهم قرّروا مُحاسبته داخل الصناديق بعدما عجزوا عن الوقوف في وجه سلاحه والحد من أخذ أبنائهم إلى الموت، فجاءت النتائج لتؤكد أن الزمن الأوّل قد تحوّل وأن هناك بيئة سوف تُحاسب كل من سرق ذات يوم قرارها عن طريق الترهيب والترغيب وبأنها لن تتوانى عن كشف الحقائق حتّى ولو على حساب أمنها الذي أصبح مُهدداً نوعاً ما بعدما تم اعتبار جزء كبير منهم بأنّهم خارج إطار «المقاومة»، ليرد أحد منافسي الحزب في اللائحة الأخرى بالقول «المقاومة اليوم هي للثقافة والإنفتاح وللقمة العيش وإخراج البقاع من القوقعة المفروضة عليه».

ما تجرّعه «حزب الله» في البقاع، كاد أن يتجرّعه في الغبيري، المنطقة التي ما زال يُهيمن على قرارها وقرار عائلاتها منذ ثمانية عشر عاماً تحت حجّة «المقاومة» والولاء لدماء الشهداء. لكن بالأمس إستشعر الحزب مدى رغبة الناس بالتنمية وتوقهم للخروج من حال الحصار الذي يعيشونه ضمن منطقة تُعتبر هي الأغنى من بين بلديات لبنان إذ تصل ميزانيتها السنوية إلى 37 مليون دولار، في وقت يتواجد فيها الكثير من المناطق السكنية الفقيرة والتي تحتاج إلى انماء ومشاريع، لكن كل هذا غائب بفعل السياسة التي ينتهجها «حزب الله» وهذا ما جعل فارق الأصوات يصل الى حدود الألف صوت فقط، بينما كانت النتائج في السابق تُعلن بإكتساح اللوائح المدعومة من «حزب الله» بفارق شاسع في الأصوات.

هي المرّة الأولى التي تخرج فيها عشائر وعائلات شيعيّة على «حزب الله» وقراراته أو ما يُسمّى بـ»التكليف الشرعي». جميع الإحصاءات التي واكبتها ماكينات الحزب الانتخابية من بيروت إلى جبل لبنان وصولاً إلى البقاع، جميعها يؤكد أن ما يُقارب الثلاثين في المئة من المؤيدين له، أصبحوا يُحلّقون اليوم خارج سربه ولم يعودوا بالتالي مُلزمين لا بقراراته التي تعنيهم كطائفة، ولا حتّى بتعميماته الحزبية. وهنا لا بد وأن يُذكر بأن جمهور «حزب الله» وبقرار قيادي، قد أشعل مواقع التواصل الإجتماعي إثر تشييع القيادي مصطفى بدر الدين في الغبيري بعبارات وشعارات التحدي الحزبية، في وقت خيّم الصمت على اللائحة المنافسة خوفاً من وضعها في خانة العداء لـ»المقاومة» خصوصاً في ظل لحظة حرجة لم يتوانَ «حزب الله» عن استغلالها بشتّى الطرق كالتسويق بأن المعركة تُخاض بين مشروعين متناقضين، الأول «مقاوم» والآخر «تكفيري».

إنجازات «حزب الله» ضمن مناطقه لا تحتاج إلى دليل سياحي للتعرّف عليها. البصمات واضحة والعقارات التي وضعت بتصرّف مؤسساته الخاصة هي الأخرى واضحة. وحده المواطن مُكلّف بتحمّل تبعات سني الفوضى التي مورست تحت وصاية قوى الأمر الواقع ووحده يدفع من لحمه الحيّ وبالتقسيط نتاج ما يُفرزه الحزب حتّى اليوم. الدم حاضر والموت حاضر والحصار أيضاً حاضر. وحدها المشاريع الإنمائية مؤجلة ووحدها الخدمات على الدوام غائبة، والحجّة أن وقت العمل لم يحن بعد بإنتظار حلول موعد «الإنتصار». لكن وفي قراءة مُلخّصة للوضع الذي يعيشه «حزب الله» ضمن بيئته، يبدو أن انتخابات البقاع لقنته درساً في كيفيّة التعاطي مع هموم الناس وأولوياتها، فكان أن استبدل رجله الأوّل في الغبيري أبو سعيد الخنسا من لائحته بدل أن يلقى المصير نفسه الذي لقيه مصطفى طه في البقاع.