IMLebanon

«حزب الله» والتطهير المذهبي لترسيخ أمر واقع جديد

قد يكون أحد أهداف معركة القلمون التي شنَّها «حزب الله»، الحماية الاستباقية التي تسبق عادةً التحَوّلات العسكرية على الأرض.

لكن ما يبدو من خلال سلوك «حزب الله» وخطابات أمينِه العام السيّد حسن نصرالله المغرِقة في التعبئة بأشكالِها كافّة، يشير إلى أنّ الحزب ومِن ورائه إيران، باتا في موقع اليائس من تحقيق انتصار عسكري على المعارضات السوريّة، وهذا اليأس دفعَ بهما إلى محاولة رسم خريطة لما باتَ يُسمّى سوريا المفيدة، التي لا يُعرَف إلى الآن هل يستطيعون الاحتفاظ بها أم أنّهم سيستمرّون في قتال تراجُعيّ، يُقلّص حجمَها إلى حدٍّ تفقد فيها صفةَ الإفادة والديمومة.

من الواضح أنّ سوريا المفيدة تَشمل في نظر إيران دمشق والمدى الجغرافي الممتدّ إلى الساحل السوري وجباله، مروراً بمحافظة حمص التي تلعب دورَ صِلة الوصل جغرافيّاً مع البقاع الشمالي، وصِلةُ الوصل هذه لها أهمّية كبرى في رسم خريطة الدويلة المفيدة، كما تلعَب دوراً في ربط هذه الدويلة بمناطق نفوذ «حزب الله» الذي يتغَذّى بالسلاح الإيراني عبر المنافذ الجوّية الموجودة في هذه الدويلة.

وباستعراض صورةِ المعارك التي دارت في محافظة حمص وفي المدينة، وفي القُصير وقرى القلمون، يلاحَظ حجمُ التطهير المذهبي الذي مارسَه النظام السوري و«حزب الله»، بحيث تمَّ تهجير الأغلبية الساحقة من السُنّة من هذه المناطق، وقسمٌ كبيرٌ من هؤلاء موجود في لبنان، وفي منطقة عرسال تحديداً، ويَرفض «حزب الله» إعادتَهم إلى قراهم ومدنِهم، لا بل يحاول ترسيخَ أمر واقع جديد، يُلغي هويةَ هذه المنطقة، ويُمهّد لها لكي تكون جزءاً من هذه الدويلة.

لم يعُد السؤال الآن في سوريا هل يَسقط النظام أو لا يَسقط؟ بل ما هي طبيعة الخرائط الجديدة التي ستُرسَم بالدم، والتي تحاول إيران وضعَ كلّ جهدها للحفاظ على هذه المناطق كنواة للدولة المستقبلية؟ في الشمال والجنوب والشرق خسِر النظام كلَّ أوراقه، ومِن الصعب أن يَحتفظ بمدينة حلب التي تتحضّر لمعركة كبرى، ويَنتظرها مصير ما حصل في جسر الشغور وإدلب وأريحا، وإذا حصلَ ذلك فإنّ الباب سيُفتَح في اتّجاه حمص وحماه وسهل الغاب.

مِن هذه الزاوية ينظر «حزب الله» إلى معركة القلمون، فهو لا يريد أن يتركَ في خاصرة هذه الدويلة آلافَ المسلّحين القادرين في أيّ لحظة على تهديد سيطرتِه على مدُن وبلدات القلمون حتى حمص، وعلى ملاقاة قوّات المعارضة الآتية من الشمال.

ومِن هذه الزاوية يرفض الحزب عودةَ أهالي القلمون إلى بلداتهم ومدُنِهم، هذه العودة تساهم بحَلّ مشكلة عرسال ومخيّمِها، لكنّها لا تخدم معادلةَ التطهير المذهبي، وبالتالي لم يتجاوَب الحزب مع ما طُرِح من حلّ لأزمةِ عرسال بإعادة أهالي القُصير وبلداتها إليها.

وباستمرار التحضير لمعركة جرد عرسال، فإنّ أسئلةً كثيرة تُطرَح في شأن مصير مخيّمات النازحين السوريين، والمعركة التي ستؤدّي إلى تأجيج الحالة المذهبية، خصوصاً أنّ «حزب الله» حاوَل توظيفَ العشائر في خطةٍ الهدفُ منها خَلقُ فتنةٍ تُجبِر الجيش على التورّط في معركة الحزب، في وقتٍ تسعى قيادته إلى النأي بالنفس عن أجندةِ الحزب التي تَذهب حتى حافة الهاوية في مسارِ رسمِ الخرائط الجديدة في سوريا، غيرَ آبهةٍ بالتكلفة العالية التي تَرتدّ على لبنان، وعلى تركيبتِه الحسّاسة، التي يمكن أن تبدأ الشرارة فيها من عرسال ولا تنتهي إلّا بفتنةٍ مذهبية كبرى، لا يَنفع بعدها الكلام عن قدرةِِ للحوار الشكلي على احتوائها، ولا لاستمرار المساكَنة داخل الحكومة.