في الوقت الذي يبشر أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، أنه يبحث بين خرائب الزبداني، وسائر الأقاليم السورية، عن طريق يوصله إلى القدس، تتوارد الأخبار عن حرب إبادة عرقية وتطهير ديمغرافي كامل الأوصاف يجريه حزبه على الزبداني وأخواتها في القلمون الغربي!
لا تقع فلسطين سوى على مرمى حجر من جنوب لبنان، حيث يقيم الحزب، ولا تحتاج منه لصرف كل تلك الطاقات التدميرية التي يجريها على الأرض السورية، لا يحتاج الأمر سوى بعض الإنغماسيين الذين يرسلهم أهاليهم للحزب ولا يترجون عودتهم من معارك القلمون، سوى قليل منهم، وإقناع إسرائيل بثبات هذا النهج وإستمراريته، من شأنه تغيير قواعد اللعبة برمّتها وتحصيل الكثير من المكاسب، فقد صرف الحزب من المقاتلين في جرود القلمون ما يكفي بالفعل لتعديل موازين القوة مع إسرائيل، ولديه احتياط كبير من المقاتلين الأفغان والباكستانيين الذين يتكفلون ذبح الشعب السوري، ولا حاجة له بالمليار ونصف من المسلمين.
لكن في الوقائع لا طرق توصل من الزبداني إلى القدس، دعك من البروبوغندا، الواقع الجغرافي والتضاريسي هنا تشكّل حاكماّ ومانعاً» الله غالب» بحيث لا يستطيع الحزب الغالب تغييرها، وأكثر من ذلك لا يوجد مواطنون شيعة في الزبداني ولا مقامات لآل البيت، بل أن ثوار الزبداني هم من أبناء البلدة ولا مطامح توسعية لديهم ولا نوايا بالوصول للضاحية الجنوبية، وهم لا يفكرون سوى بحماية بلدتهم وأهلهم من ظلم الأسد وقهره، وقد استمروا على هذه الوضعية لأكثر من أربع سنوات متواصلة، حيث الزبداني هي أول مدينة تحرّرت من قوات الأسد، والمعلوم أنّ صهر بشار الأسد، آصف شوكت هو من فاوض أهل الزبداني وأقرّ معهم هذه المعادلة التي تقضي بتسيير شؤون بلدتهم على ألا يتجاوزوا حدودها، وثمة من يقول إن هذا الإتفاق كان واحداً من الأسباب التي عجّلت بإصدار قرار اغتياله، لأنه أولاً إقتنع بمنطق ثوار البلدة ولأنه لم يرد تعميم هذه الآلية على بقية المناطق السورية.
يعرف «حزب الله» هذه الوقائع ويفهم مضامينها جيداً، والأكثر من ذلك يعرف أن هذه الذرائع القائمة على ثلاثية» حماية لبنان من التكفيرين، حماية المقامات والشيعة، والدفاع عن فلسطين عبر إدامة نظام القتل في دمشق» ليست سوى منظومة خادعة يمارسها الحزب لخداع جموع مؤيديه وتضليل الشارعين العربي واللبناني عن حقيقة أهدافه التي لا تلبث الوقائع أن تفككها بل وتفضحها ممارسات الحزب المنحازة الى طائفية مقيتة لم يعد يخجل أمينه العام من إظهارها من على منابره وخطبه التي يتحفنا بها، ووصل به الأمر إلى حد حسد الشعب السوري على قيام مجلس الأمن على عقد جلسات بدون فعالية أو نتيجة وهو ما لم تحظ به شعوب البحرين واليمن!
حتى مسألة الدفاع عن نظام بشار الأسد باتت واهنة ولا تملك القدرة على الصمود أمام متغيرات الواقع السريعة والتي لا شك انّ «حزب الله «الخبير بصناعة التقديرات بات على إقتناع بإستحالة إستمرار هذا النظام وإستعادته السيطرة على الأرض السورية بعد أن جرى تفكيك مرتكزاته وبناء بنية مضادة يستحيل تفكيكها او نزعها لا بقوة النظام ولا حلفائه، وحتى ذريعة الدفاع عن دويلة النظام القادمة تبدو ضعيفة وغير مقنعة، ذلك أن الدفاع عن تلك الدويلة وتثبيتها يجري في مناطق بعيدة، في حماة وسهل الغاب، فيما تبدو الزبداني قصية عن تلك الدويلة وتفصلها مئات الكيلومترات التي يحتاج كل متر منها إلى جهود جبارة للإحتفاظ به، وفي هذا الصدد كان واضحاً أن نظام الأسد لم يكن معنياً بمعركة القلمون بقدر عنايته بمعارك في مناطق يعتبرها أكثر ضرورة وإستراتيجية، على إعتبار أن منطقة القلمون وريف دمشق الغربي لا تملك بنية ثورية قوية ولا تشكل تهديداً ملحاً، من جهة اخرى يعلم حسن نصر الله أن الأسد كلاعب انتهى ولا يستحق الاحترام ولا الدفاع عنه وبذل كل تلك الجهود لإدامته، ولكن حسناً ان يتم ركوب صهوته للوصول إلى أهداف أخرى.
وهكذا وفي ظل الفوضى الحاصلة في المنطقة، يتركّز التفكير الإستراتيجي لـ«حزب الله» على الإستفادة من هذه الحالة لصناعة حيثيات مستقبلية تتمثل بإنشاء كيان خاص به حيث يتم دمج المناطق الخاصة ببيئته مع الشريط الحدودي السوري من الزبداني حتى القصير، بحيث يصبح مجالا لإقامة دويلة طائفية لا تحتاج سوى لعمليات تطهير ديمغرافي على الجانبين السوري واللبناني والتي لن يلتفت لها أحد في ظل هذه الفوضى والإدعاء بحماية الكيان اللبناني من التكفيريين.
لا شك أن حزب الله يقع ضحية الأحداث الجارية والتي لا تشكل وقائع صلبة بقدر ما هي حوادث طارئة ومتغيرة، فالحزب لم يضع في حساباته أن المقاتلين السوريين يتوزعون اليوم على جبهات عديدة، لكن هذه الحالة ستنتهي مع صيرورة التحرير وإكتمال إبعاد الأسد أو سقوطه في بقية الأرجاء السورية، وهي حالة تقدر حصولها أغلب الجهات الدولية المختصة بسنة واحدة، وحتى لو طالت لسنتين لكنها واقعة، وفي ذلك الحين سيقع على عاتق حزب الله الصمود أمام مئات آلاف المقاتلين، وفي ذلك الحين لن يمتلك للغطاءين الجوي والصاروخي الذي يوفره له نظام الأسد، فكيف سيصمد من تكبد كل تلك الخسائر في مدينة الزبداني المحاصرة منذ ثلاث سنوات ولا يتعدى عدد المقاتلين فيها الألف؟
على وقع دوامة أوهام يستنزف «حزب الله» طاقته وبيئته، اليوم يسقط له مئات القتلى على أمل قمع الثورة السورية، ثم بعد ذلك يخسر مثلهم على وهم إحتلال أراض سورية، ويصر على وعد بيئته بمزيد من الإستنزاف عندما يتفرغ السوريون لإستعادة بلداتهم، فيما يستمر شيخ الحزب ينطق بمسلسل الاوهام القاتلة، أما آن لبيئة الحزب أن تتخذ موقفاً من هذا الشيخ المكلف!