IMLebanon

«حزب الله» و«التيار»: حُـــسم الأمر

 

قد يختلف «حليفا مار مخايل» ضمناً أو علناً، وقد لا يتمكّن أحدهما من إعطاء الآخر ما يريده سياسياً وضمن المؤسسات الدستورية، لكن حتى الآن وبعد 15 عاماً على «تفاهم مار مخايل» بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، لا يُمكن لأيّ منهما الاستغناء عن الآخر، تحديداً في هذه المرحلة وقبل الانتخابات النيابية، فـ«التيار» يحتاج الى «الرافعة الشيعية» في أكثر من دائرة انتخابية و«الحزب» يحتاج الى وجود نيابي قوي لحليفه المسيحي للحفاظ على الغالبية النيابية من جهة وعلى الغطاء المسيحي من جهةٍ ثانية، لكي لا يُصبح معزولاً طائفياً في البلد.

إختار رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أن يفتتح هذه السنة سياسياً، بخطابٍ هجومي عالي السقف، طاولَ رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ووصل الى حليفه «حزب الله»، فسأل: «أين تُرجِم تفاهم مار مخايل في بناء الدولة؟ بتغطية الفساد والمسايرة وبشلّ صلاحيات رئيس الجمهورية وعهده؟ بضرب المجلس الدستوري؟»، معلناً الرغبة في «تطوير وثيقة التفاهم لأنّها لم تعد تجيب عن التحديات المطروحة». أمّا رَدّ «الحزب» الأوّلي على باسيل فجاء مُقتضباً، لكن واضحاً ومباشراً وعلى لسان الأمين العام السيد حسن نصرالله: «حريصون بشدة على حلفائنا وأصدقائنا وعلاقتنا، ومتمسِّكون بالتفاهم مع «التيار الوطني الحر» وحاضرون لتطويره بما يحقّق المصلحة الوطنية».

 

وعلى رغم أنّ تصويب باسيل على «الثنائي الشيعي» لجهة تغطية «الحزب» لبري وممارساته، أمر غير مرحّب به لدى «الحزب» انطلاقاً من الحرص على الوحدة الشيعية، خصوصاً في هذه المرحلة حيث يشعر «حزب الله» أنّه مُستهدف وهناك محاولة لكسره من خلال «محاصرة لبنان وتجويع اللبنانيين»، وعلى رغم أنّ أي انتقادات تُوجّه إليه في هذه المرحلة تزيد من الضغوط عليه، الّا أنّه «يتفهّم» حليفه. هذا التفهُم يأتي لسببين أساسيين بحسب جهات سياسية:

– ليس من مصلحة «الحزب» خسارة أي حلف أو تفاهم أو غطاء، بل يسعى الى الحفاظ على وجود حلفائه ضمن الحفاظ على حجم وجوده، وهو كان قد عبّر أكثر من مرّة أخيراً على لسان مسؤوليه أنّ هناك عملا خارجيا لإضعافه من باب الانتخابات النيابية وإضعاف حلفائه.

 

– يعرف «الحزب» حاجة باسيل الى شدّ العصب الحزبي والمسيحي قبل الانتخابات، مع تزايد نقمة المناصرين على نتائج «تفاهم مار مخايل»، وفي مرحلة يواجه فيها خسارات عدة ويشهد العهد انتكاسات كُبرى، فيتركه يُحاول الاستفادة من هذا الخطاب السياسي العالي السقف طالما أنّ حدوده معروفة ولن تؤثّر مباشرةً في «الحزب» وجمهوره.

 

لا شك في أنّ التحالف بين «التيار» و«الحزب» منذ عام 2006 أفاد الطرفين، فالغطاء المسيحي (أكبر كتلة نيابية مسيحية) لـ«الحزب» أنقذه من الاستفراد به لبنانياً ومن حصر تأييده بالساحة الشيعية، فيما ساهم هذا التفاهم في وصول عون الى رئاسة الجمهورية فضلاً عن توزير باسيل وحصول «التيار» على الحجم الوزاري الذي يطلبه كمّاً ونوعاً.

 

من جهته، حسم «حزب الله» أمره، وهو يجزم أنّ «التحالف الانتخابي مع «التيار» مؤكد، ولا يستدعي السؤال أو الاستفسار». أمّا عن «المأزق» الموضوع فيه بين حليفيه بري – باسيل، وكيف سيُقسّم أصواته أو لمصلحة من ستكون في الدوائر المشتركة بينهما مثل صيدا – جزين، فيشير «الحزب» الى أنّ «تفاصيل الدوائر سنبحث فيها لاحقاً مع «التيار»، أمّا مبدأ التحالف والدعم الانتخابي فمحسوم». ويستمرّ «الحزب» في توجيه الرسائل الإيجابية لكلّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وباسيل، بحيث أكد نصرالله التجاوب مع الحوار، في ردّ على دعوة رئيس الجمهورية الى حوار وطني. ويشدّد «الحزب» على أنّ «العلاقة مع «التيار» جيدة، وجوابنا على باسيل أنّنا متمسّكون بالتفاهم، ونعتقد أنّ فيه مصلحة، كذلك إنّ أي تفاهم أو حوار فيه مصلحة، ففي هذا البلد بسبب التنوع الطائفي والموزاييك السياسي، لا بد من حوار مشترك، ولا بد من حوار وتفاهم».

 

وفي حين يحاول «الحزب» التوفيق بين علاقة الرحم التي تربطه بحركة «أمل» والتحالف السياسي مع «التيار»، ويستمرّ في المواءمة بين الطرفين، يقول رداً على باسيل: «لم يشترط «التيار» في تحالف مار مخايل أن نفك تحالفنا مع «أمل»، ولا نحن اشترطنا عليهم حين أجروا تسوية سياسية مع الرئيس سعد الحريري أو «تفاهم معراب» أن يختاروا بين التفاهم معنا وتحالفاتهم مع الآخرين، ولم نضع معادلة: «نحن ولا أحد»، بل إنّنا مع توسعة قاعدة الحوار في البلد». أمّا الانتقادات التي وجّهها باسيل لـ«الحزب» فلا يزال الأخير يؤثر الرد عليها علناً، مكرراً: «نتحمّل ونتفهم».

 

وفي حين يرى البعض أنّ باسيل قد يصعّد أكثر ويذهب الى فك التحالف نهائياً مع «حزب الله» إذا رأى في ذلك مصلحة انتخابية وخارجية له قُبيل الانتخابات النيابية المقبلة، تعتبر جهات سياسية أنّ التحالف النيابي الانتخابي بين «التيار» و«حزب الله» الذي حصل في دورتي 2009 و2018 بعد التحالف السياسي بينهما في شباط 2006، ثابت ومستمرّ، لأنّ باسيل أصبح في حاجة أكثر الى أن تكون الكتلة الشيعية الى جانبه انتخابياً، في ظلّ تراجعه على المستوى المسيحي، وبالتالي هو في حاجة أكثر الآن الى هذه الرافعة الشيعية، خصوصاً أنّ الدعم الشيعي يساعده في دوائر عدة لا يُستهان بها، ومنها زحلة وبيروت وبعبدا وكسروان – جبيل وبعلبك – الهرمل، إضافةً الى دوائر أخرى في الجنوب والبقاع، حيث يشكّل «الحزب» فيها رافعة لـ«التيار». لذا إنّ «حزب الله» يمثّل حاجة ورافعة انتخابيتين لباسيل، لكي يعوّض تراجعه المسيحي من جهة وتصويت المغتربين من جهةٍ ثانية. انطلاقاً من ذلك، تعتبر جهات عدة، أنّ هناك اتفاقاً ضمنياً بين «التيار» و«الحزب» على نوعٍ من تَمايز شكلي في السياسة ضُمن «اتفاق سلّة»، يبدأ بالانتخابات النيابية ولا ينتهي باستحقاق رئاسة الجمهورية.