انتهت معركة جبل لبنان، ولم يستطع أحدٌ أن يُلغي أحداً لا من الأحزاب ولا من العائلات، مع أنّ الكثير من المواجهات خيضت تحت عنوان «أمّهات المعارك»، وللبنانيين موعدٌ جديد تجري فيه معاركٌ جديدة يوم الأحد المقبل في 22 أيار مع الانتخابات البلديّة في محافظتي لبنان الجنوبي والنبطية، والتذمّر من حزب الله وسياساته، وما يفرضه على العائلات الشيعيّة سيأخذ بُعداً جديداً، قد يكون أكثر حدّة ووضوحاً من المواجهة التي ذاقها حزب الله في البقاع من بعلبك إلى الهرمل، عرين حربه التي استدرج إليها لبنان وأغرقه في بحر الدّم السوري… في الجنوب اللبناني تحديداً، جملة تتردّد منذ أيّام وفيها دلالة صرفة على ما وصل الحال إليه بين العائلات وحزب الله وهي: «الشيخ نبيل قاووق عمل الانتخابات طاووق»!!
ثمّة حال تذمّر وانزعاج من حزب الله وما يسعى إليه، بعض الأصوات لم تعد تتحدّث بهمس، بل ترفع الصوت منتقدة اللوائح التي يُشكّلها حزب الله ويضغط بالتهديد والوعيد فرضها على العائلات!! ويسري هذا الكلام على قرىً كثيرةٍ يُرفَعُ فيها التساؤل: «لماذا يسعى حزب الله لإلغاء العائلات»؟! ثمّة عائلات كبيرة لها وزنها ومكانتها التاريخيّة، ولها ثقلُها الانتخابيّ، ولها تشعباتها وامتداداتها ومصاهراتها وقراباتها، ومع هذا يضرب حزب الله عرض الحائط بهذه العائلات ولا يُقيم وزناً لمن تختارهُ ليمثّلها، بل بلغ الأمر أن يفرض على بعض العائلات أسماءً لصغارها، وبعضهم من ذوي السُّمعة الرديئة، وقد يتساءل البعض لماذا اخترنا «طَيْر دبّا نموذجاً»، وبالطبع لم يأتِ هذا الاختيار من فراغ، بل يأتي للثقلِ التاريخيّ لعائلة بعينها، لها مكانتها «المعرفيّة والفقهيّة» ولها ثقلٌ معين يكاد يُلامس حدّ القول أنها كانت تملك «طير دبّا» وهي عائلة «مُغنية»، بكلّ ما لـ»رنين» اسم هذه العائلة من وقع في حزب الله، بسبب عماد مغنية وأخويْه، حتى ليبدو وكأنّ هذه العائلة لم توجد قبل هذه الأسماء، ولم يبدأ تاريخها إلا مع هؤلاء الثلاثة، مع ملاحظة أن بلديّة «طير دبّا» انشئت بتاريخ 16 شباط 2004 ويبلغ عدد اعضائها 12 عضواً…
نحن هنا، لا نُريد أن ندخل لا في أسماء رشّحها الحزب ورفضتها العائلة، ولا نريد أن ندخل في أسماء كانت خيار العائلات ورفضها حزب الله، لأنّ الأمر أكبر بكثير من الأسماء، حقيقة المشهد هي سؤالٌ طُرِحَ في «طير دبّا»: «هل يُريد حزب الله إلغاء هذه العائلة»، وأيّ مشهد سيكون عليه الجنوب بعد إلغاء دور عائلاته وسوقها بالتهديد والضغط، خصوصاً وأنّ هذه العائلات «يُقدّسها» حزب الله على الإعلام لتحمّلها العبء التاريخي للصراع «العربي ـ الإسرائيلي»، عائلات الجنوب تحمّلت منذ إنشاء الكيان الإسرائيلي ضريبة الدم ليس عن لبنان وحده، بل عن العرب جميعاً، وهذه العائلات الجنوبيّة الكبيرة هي الخزّان البشريّ الأوّل والأكبر لحزب الله، ولكن يقولون: «للنّاس كرامات»، ويعتبرون «طير دبّا» مثالٌ فاضح للصراع مع مسؤولين سمّاهم حزب الله لقيادة التوجيه الانتخابي كالشيخ نبيل قاووق ويتندّرون بأنّه «عمل الاختيارات طاووق»!!
ولا نريد هنا العودة للاستدلال بحديث أمين عام حزب الله عن الانتخابات البلديّة وحديثه عن العائلات «زعلها» في كلمتيْه في 6 أيّار وفي 12 أيّار، لأنّنا سنكتقي هنا بتذكير الحزب بتاريخ عائلة مُغنية في «طير دبّا» وأن شطبه لعائلات كثيرة وكبيرة في الجنوب اللبناني لمصلحة أسماء مرفوضة لأنّه يضمن ولاءها، هذه القرية من قرى قضاء صور، ومن أولى العائلات التي سكنت البلدة عائلة «مُغنية» ويعود ذلك لمئات السنين بحسب ما ذكره الشيخ محمد جواد مغنية المؤرخ والفقيه الشهير، وهذه العائلة اشتهرت بصورة خاصة لأن البلدة كلها كانت ملكهم وبفضل بروز عدد كبير من كبار علماء الدّين من أبنائها وعلى رأسهم مرجع زمانه الشيخ حسين مغنيّة وأبنائه، الشيخ خليل، الشيخ علي والشيخ عبدالله، والشيخ محمّد جواد مغنيّة والشيخ حبيب مغنيّة، ولن ندخل هنا في سردٍ لتاريخ هذه العائلة، بل يكفي أن نُذكّر حزب الله بأنّه حتى العام 1975 كان معظم أبناء طير دبّا، باستثناء عائلة مغنية) يقطنون في ضواحي مدينة بيروت بحثاً عن فرص عمل وحياة أفضل…
يُخطىء حزب الله كثيراً في أسلوب فرض لوائحه على عائلات الطائفة الشيعيّة، يُخطىء كثيراً لأنّه يضع نفسه في مواجهة أصحاب الأرض وعائلاتها، وفي هذه المواجهة، حزب الله هو الخاسر الأكبر، ونظنّ أنّ عمر حزب الله سيكون أقصر بكثير من مدّة ولاية أي مجلس بلدي في أيّ قرية من قرى الجنوب، بإذن الله.