Site icon IMLebanon

«حزب الله» والنظام الدستوري و«السّابقة الحوثية»

 

كلما استشرى الفراغ في الدولة، ابتداء من شغور المنصب الأوّل، ظهر النظام الدستوريّ مرهوناً لشهوات الطاعنين فيه. فإن شاء هؤلاء، أبدلوه بواحد يثبّت سطوتهم ويقرّها في نص، أو أنّهم بتوا في الأمر ففضلوا ترك هذا النظام «يموت صبراً» فيتآكّل ويتحلّل أكثر فأكثر حتى آخر رمق فيه، ومن دون استعجال تقديم بديل يدخلهم في متاهات وتعقيدات ليس وقتها الآن، ونحن في عزّ المعركة الدمويّة المذهبية المشرقية الشاملة. 

في الواقع ثمة مخادعة هنا. فمن يستثمر في الفراغ ويعمل على إطالته يعمد الى تقديم نفسه كما لو أنه سيّد تعبئة الفراغ متى شاء، أو الاسترسال فيه أنى شاء، أو تحويله إلى فاتحة لنظام جديد. 

منذ سنوات، لا يقدم «حزب الله» على إبطال نظامنا الدستوريّ الحاليّ، لكنه يواصل عملية نعيه.» ينعاه ويبقيه»، هكذا يقدّم لنا الحزب مجمل سياسته. أخصامه يساجلون معه من موقع اتهامه بأنه يواصل نعي النظام كي يلغيه. أما أنصاره الأشد حماسة فيأخذون عليه العكس، أي أنّه يواصل نعي نظام الطائف دون أن يطلق رصاصة الرحمة عليه، مع أنّه كفيل بإتمام ذلك لو أراد. وأنصاره الأقل جنوحاً يصوّرون إبقاءه على هذا النظام على أنه دليل على تفاني الحزب وتقيّده بمكارم الأخلاق. والحزب كحزب يمرّن كوادره على الاقتناع، والاقناع، بأنه ليس في عجلة من نفسه، لكن التأهّب ضروري في أي ساعة، لوراثة الدولة اللبنانية، خصوصاً بعد الوقائع اليمنية، وتمدّد الحوثيين، بحيث صار السؤال الداخلي في بيئة «حزب الله»: لماذا سبقنا الحوثيّون؟ أيعقل أن يسيطر رجال درّبهم الحزب على صنعاء، فيما الحزب نفسه لا يستطيع الذهاب لأبعد من السابع من أيار في لبنان؟! 

ووجه المخادعة أنّ من لا يملك بديلاً عن النظام الدستوريّ والسياسيّ الحاليّ، لا يمكن التطوّع وتخيّل البديل الذي يقترحه، بل إنه لا يعبّر عن جملة توتّرات تجاه هذا النظام، ويبدو سعيداً باضمحلاله، لكنه لا يملك بديلاً عنه يمكن اقتراحه، بل أكثر من ذلك، لا يجد بديلاً عن المساهمة في إنقاذ بقية هذا النظام الدستوريّ عندما يكون ضرورياً منع تحوّل تراكم حالات الفراغ والتعطيل الى ما يشبه الانهيار الشامل. التصدّع نعم، الانهيار لا. كانت هذه سياسة «حزب الله» مع النظام الدستوري اللبناني على امتداد العقد المحتدم الأخير، لكن ذلك لا يرجع إلى أنّ الحزب قادر على الدفع بالأمور باتجاه أكثر جذرية. هو ابن التصدّع ويسعى جهده لاستثماره لصالحه، لكنه أيضاً، بالإضافة إلى طبيعته «التقويضية» للنظام الدستوري، له طبيعة أخرى «محافظة»، عندما يتصل الأمر بمنع هذا النظام من الانهيار. يفضّل «حزب الله» حالة الرجل المريض للنظام الدستوري اللبناني، ليس لأنه يملك علاجاً ولا يعطيه للرجل، وليس لأنه يملك سمّاً ولا يطاوعه قلبه دسّه لهذا الرجل، بل لأنه لا يملك لا العلاج الناجع ولا السمّ الحاسم. 

لكن من لا طاقة له على فرض بديل عن هذا النظام الدستوري، والذي لا مصلحة له في انهيار هذا النظام بشكل دراماتيكي بلا بديل، ليس بإمكانه، رغم ذلك، أن يجيّر لحسابه عملية تحلّل النظام وكساد الحياة السياسية وفساد المعاش اللبناني. 

في الصورة إذاً، شبكات من الاطمئنان اللبنانية الواهية إلى أن هذا النظام الدستوري بمقدوره أن يسعف حاله بحاله، ولو في آخر لحظة، فلا يستسلم للتعطيل أو للفراغ، فيفرض انتخاب رئيس، بما أنها القضية المثارة اليوم. لكن الصورة الأخرى الواهمة أيضاً، هي أن «حزب الله» يتحكّم بالبدائل المطروحة عن الفراغ الحالي، سواء بإطالة أمد الفراغ أو بملء الشغور أو بالتمهيد لنظام بديل. هذا وهمي. أن ينجح الحزب وحلفاؤه في إطالة أمد الفراغ الرئاسي فليس معنى ذلك أبداً أنه يملك جملة خيارات يتداول في اعتماد أفضلها. كلا، من يفرض معادلة الفراغ اليوم لا يسيطر على تداعيات هذه المعادلة.