حزب الله» والملف الاقتصادي: إشراك اللبنانيين في العقوبات أو الاحتماء بهم!
كيف تدفع حسابات الحقل والبيدر الانتخابي في إعادة التموضع والبحث عن استراتيجيات جديدة؟
«المتحدث باسم التحالف: الصواريخ الباليستية الإيرانية تُهرّب من الضاحية إلى داخل اليمن»
لماذا استفاق «حزب الله» فجأة على ملفات الفساد والديون والوضعين الاقتصادي والنقدي في البلاد، حتى تطغى هذه العناوين على أطروحته الانتخابية بعدما كانت سابقاً تتناول كل المقدمات التي من شأنها أن تحمي سلاحه؟ إلى ماذا يرمي «حزب الله» من تبنيه اليوم هذا العنوان، وهو الذي رفع شعار حملته الانتخابية «نحمي ونبني»؟
فأمين عام «حزب الله» يستكمل خطابه الانتخابي الأول بمزيد من التركيز على هذا العنوان في لقاءاته المغلقة مع كوادره، ويضيف عليه ما معناه أنه حان الوقت كي ندخل بالمباشر إلى هذه الملفات، متكئاً على رهانه بأنه سيحصد حصة وازنة في الاستحقاق الانتخابي في السادس من أيار، بما يجعله رقماً صعباً, ليس في القرار الاستراتيجي بفعل سيطرته على قرار السلم والحرب في البلاد فحسب، بل أيضاً في كل القرارات, ولا سيما في القرار الاقتصادي – المالي من بوابة الثقل النيابي والشرعية الدستورية.
في السابق، ومنذ حقبة الرئيس رفيق الحريري، انتهج «الحزب» معادلة السلاح مقابل الاقتصاد. تُرك للحريري الأب «ملعب الاقتصاد» حيث ظنّ الرجل أن بإمكانه، من بوابة الاقتصاد وإعادة النمو والازدهار إلى البلاد، استرجاع السيادة! حتى أن التسوية الرئاسية ارتكزت، في جانب رئيسي منها، على هذه المعادلة، حيث أوكلت الملفات الداخلية لفريق الرئيس ميشال عون، ولفريق رئيس الحكومة سعد الحريري إلى حدود أن البلاد تضج، تارة في الكواليس وتارة أخرى في العلن، بأن القابضين على مفاصل التلزيمات والصفقات هما صهر رئيس الجمهورية جبران باسيل وابن عمّة رئيس الحكومة نادر الحريري. ورغم أن تلك الأخبار تحمل الكثير من المبالغات إلا أنها في الوقت عينه لا تخلو من الحقيقة، في مكان ما.
ولكنْ، ماذا يعني عملياً تحوّل «حزب الله» هذا لجهة إعلان انخراطه المباشر في مختلف الملفات وصولاً إلى الإمساك العملي بها؟ وما هي حساباته؟ وهل مِن أجندات مخفيّة له وراء ذلك؟
مَن يقرأ من المراقبين خلفيات التحوّلات لدى «حزب الله» يرى أن جملة من الأسباب تقف وراء ذلك. أولها، أن الحزب الذي فرض القانون الانتخابي، كان يعتقد أنه سيؤدي إلى تشتيت الخصوم وكذلك الحلفاء بما يجعل منه قوة الدفع الفعلية، وهذا ما سيحصل إلى حد كبير، لكنه في المقابل لم يكن يتوقع أن يؤدي القانون إلى احتمالات خرق حقيقية في مناطق نفوذه الفعلية، ولا سيما مع بروز قوى تتبنى نهج «المقاومة» لكنها معارضة له، خاصة في كيفية إدارة تلك المناطق، فضلاً عن اعتراضها على «الواقع المنبوذ» الذي أضحت عليه الطائفة الشيعية نتيجة سياسات «الحزب» وأجنداته الخارجية. هذا الخرق إذا تخطى حساباته، فقد يحرمه من حصوله وحلفائه الصافين على «الثلث المعطل» في البرلمان الذي يضعه كهدف أول له في الانتخابات. وثاني الأسباب أن الهمّ الاقتصادي بات هو الهمّ الأول الطاغي لدى بيئته ومناطقه، ولا سيما منطقة بعلبك – الهرمل التي تشكل خزانه ولم تبخل يوماً في تقديم شبابها قرباناً على مذبح مشروع «الحزب»، لكن اندفاعها صوب أطروحات «الحزب» العقائدية، لم يعد يتقدّم على واقعها الحياتي الصعب والمرير.
هذا الجانب، في رأي متابعين، يكتسب أهميه في حسابات الحزب، إنما هناك حسابات أخرى لها تأثيراتها الأبعد عليه. فـ«حزب الله» على يقين من أن العقوبات الاقتصادية والمالية وما شابه من «القوة الناعمة» ستزداد عليه بشكل تصاعدي وضاغط إلى حدود كبرى. هذه العقوبات تستهدفه هو في الباب الأول وإن أدّت إلى أضرار جانبية على الاقتصاد اللبناني، لكنها ستكون أضراراً يمكن احتواؤها أو احتسابها من قبل الجهات التي تفرض تلك العقوبات. تلك الجهات في المبدأ هي أميركية، إذاً ماذا لو نجحت تلك الضغوط على الغرب وبات الأوروبيون يتعاملون مع «حزب الله» على هذه القاعدة؟
حتى الآن، لم يتماشَ الأوروبيون مع إدارة ترامب حيال عدم التعامل مع «حزب الله» بوصفه جناحين، أحدهما سياسي يعترفون به والآخر عسكري يعتبرونه إرهابياً، وبالتالي أخذه كوحدة متكاملة مصنفة كمنظمة إرهابية. التمايز مفهوم، وينطلق من خصوصيات أوروبية، تبدأ من أن التخلي عن لبنان سيؤول إلى هيمنة «الحزب» عليه بالكامل، وهو ما سيُعرّض بلادهم لمخاطر هجرة اللاجئين السوريين، والأهم سقوط جنودهم المشاركين في القوة الدولية في جنوب لبنان رهائن بيد «الحزب»، من حيث مصيرهم وسلامتهم. عاملان لهما تأثيرهما العميق على الأوروبيين ولا سيما الفرنسيين، إضافة إلى الاعتبار المتعلق بوجود الحريري نفسه.
غير أن بوادر الضغوط الأميركية ومعها السعودية وحتى الإسرائيلية بدأت تتصاعد على الأوروبيين، ولا سيما أن أزمة تسميم العميل الروسي السابق في بريطانيا ترخي بثقلها على الغرب. فليس شيئاً عابراً بل تطوراً أساسياً أن تتهم لندن وباريس، على لسان وزير خارجية كل من البلدين، إيران بأنها وراء تزويد الحوثيين بالصواريخ الباليستية التي يتم قصف أراضي المملكة العربية السعودية بها، وكذلك موقف الأمين العام للأمم المتحدة. بات الكلام الأوروبي عالي النبرة وصريحاً حول مسؤولية إيران على الرغم من الصفقات المعقودة معها. توقع ارتفاع منسوب الضغوطات يدفع «الحزب» أكثر إلى التحوّط من جهة، خوفاً من أي تموضع داخلي لشركاء التسوية لا تصب في صالحه، ولكن الأهم أنه يأخذ الاقتصاد اللبناني برمته درعاً له لحماية نفسه!
فـ «حزب الله»، بما يعلنه من قرار دخوله على الملف الاقتصادي، فيما لبنان يتجه إلى «باريس4» للحصول على قروض بنحو 17 مليار دولار، يريد أن يرسل رسالة واضحة للغرب بأنه سيكون «الرقم الصعب» في المعادلة الاقتصادية، وأن على هذا الغرب أن يتحاور معه من الموقع الوازن الذي يحتله في الحكم سواء في مجلس الوزراء أو في مجلس النواب.
كذلك يُدرك «الحزب» أن تلك المؤتمرات الداعمة للبنان ستعطي المجتمع الدولي ورقة ضغط إضافية عليه من بوابة تلك القروض، وأن «الحزب» لن يستطيع، حتى ولو كابَرَ، أن يقف في وجه هذه القروض لأنه يعلم أن لبنان بحاجة إلى كل هذا التمويل للبنى التحتية وللاقتصاد الذي ينمو الدين فيه بنسبة خمس مرات أسرع من نموه، إذ لم يسجل النمو الاقتصادي على مدى 7 سنوات سوى واحد في المئة، مقابل زيادة في الدين بنسبة أقلها 5 في المئة. ويعلم أنه إذا حاول الوقوف في وجهها، فإن اللبنانيين عموماً، بمن فيهم بيئته، سيثورون نظراً لحال الركود الاقتصادية التي تمر بها البلاد والتي انعكست على حياتهم بشكل مخيف، بحيث أن الضائقة المالية باتت سمة مشتركة بين مختلف اللبنانيين.
الخطورة، في رأي بعض المراقبين، تكمن في أن يكون «حزب الله» انتقل من موقع المتفهم للمخاطر المحدقة به إلى لعبة إشراك كل اللبنانيين بهذه المخاطر، وذلك عبر اعتماد خيار «المركب الواحد»: ننجو معاً أو نغرق معاً. خيار يُريد «حزب الله» من خلاله جعل اللاعبين الدوليين يعيدون حساباتهم حياله والثمن الذي سيدفعه لبنان إذا استمرت واشنطن وحلفاؤها بالسير في خطة محاصرة وإضعاف «الحزب» من بوابة العقوبات، وربما ما هو أبعد من العقوبات.
وليس بموقف عابر، أو من قبيل التهويل، كلام المتحدث الرسمي باسم «التحالف العربي» بقيادة السعودية العقيد الركن تركي المالكي لمحطة الـ «سي.ان.ان.» الأميركية الذي أشار فيه إلى أنه يتم تهريب الصواريخ البالستية الإيرانية الصنع من «الضاحية» إلى داخل اليمن. هذا ليس كلاماً للاستهلاك، إنه يأتي على لسان المتحدّث باسم التحالف، على لسان السعودية التي لها موقعها، سواء عربياً أو دولياً، حيث تمر راهناً بأعلى مراحل التنسيق والتفاهم في إطار التحالف مع واشنطن ومع الغرب، وهي حتى على علاقة متطوّرة جداً مع موسكو. ولا بدّ تالياً من التوقف ملياً عند كلام السعودية من أنها سترد في المكان والزمان المناسبين!.