IMLebanon

“حزب الله” و”التيار الوطني الحر”: يكفي 17 عاماً!

 

الموقف السعودي يُسقط تفاؤل أنصار فرنجية

 

 

رغم كل ما يقال للتخفيف من وقع الخلاف الحاصل بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، إلا أن واقع الحال يتجه نحو فراق بالتراضي يبدو أن الجانبين يتعايشان معه بعد ان خدم تفاهم مار مخايل لـ 17 سنة على حد تعبير قيادي في “حزب الله”.

 

مرد ذلك أن التيار والحزب يفترقان على قضايا جوهرية يتعلق أهمها بالرؤية الجوهرية للبنان وبطبيعة دولته، مع اتفاقهما على قضايا تتعلق بالنظرة إلى العدو وإلى حد ما تجاه الطبقة السياسية المهيمنة على الحياة السياسية منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي.

 

الخطير في الامر أن الفجوة تتعمق يوميا مع كل حدث يطرأ على الساحة يصبح على كل طرف ان يتخذ موقفاً منه. صحيح ان رئاسة الجمهورية هي الطبق الاهم على مائدة العشاء الأخير بين الحليفين، إلا ان الموضوع ليس بهذه البساطة بالنسبة للتيار على وجه الخصوص.

 

لجأ “حزب الله” الى السكوت عن تجاوزات حليفه السابق تجاهه، وهو سيستمر على هذا المنوال كما تؤكد مصادر مقربة منه، لكن هذا الصمت الذي أراده الحزب كتعبير عن عدم رغبته في تحريك السكين في الجرح مع التيار، لا يقابله زعيم العونيين الرئيس ميشال عون ورئيس التيار جبران باسيل بيد ممدودة لاعتبارهما أن هذا السكوت لا يفيد في الشفاء من المرض المستجد والمستعصي على الحل حتى لو كان يهدىء النفوس.

 

فإذا كان “حزب الله” يعتقد بأنه يستطيع الاستمرار في الصمت كبادرة حسن نية، فإن ذلك لا يروق لجمهور التيار الذي بات سقف قيادييه محكوما بعدم التراجع خاصة في الموضوع الرئاسي. فما معنى صمت الحزب؟ بماذا يفيد في حل الخلاف الحاصل؟ ولماذا لا يبادر للوقوف على خاطر عون الذي ضحى بالكثير من شعبيته في سبيل تفاهم آمن به وحماه؟ يسأل التياريون.

 

الحال أن تفاهم مار مخايل بالنسبة الى عون وباسيل لا يقارن بأي تفاهم غيره وليس تفاهم معراب المصلحي مع الطرف المسيحي الثاني، “القوات اللبنانية”، سوى مثالاً حياً بانفراط عقده سريعاً. ذلك أن تفاهم مار مخايل مثّل ولادة جديدة للتيار ونقلة نوعية في الفكر المسيحي نحو المشرقية ونحو النظرة الى ماهية العدو. كما ان التفاهم مثّل، في المقابل، الوليد الحبيب بالنسبة الى الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله الذي كان الطرف المدافع الأكبر عنه في الحزب، وما انسحاب الاخير من مشهد التقارب سوى مثالاً على جدية الخلاف الحاصل مع التيار.

 

تفاهم “على القطعة”

 

لن تعود علاقة الطرفين الى ما قبل 2006، وسيكون التحالف على القطعة، لكن اذا اعتقد الحزب بأنه يستطيع تولية زعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية رئيسا ومن ثم معالجة مسألة العلاقة مع “التيار الوطني الحر” على البارد، فإنه في اشتباه كبير.

 

لعل الحزب لم يفهم حتى الآن طبيعة الشارع المسيحي الذي يعود مع كل يوم جديد الى سابق عهده في التقوقع والشعور بالإحباط نتيجة الدونية والمظلومية والهجرة الدراماتيكية ما يفتح الباب أمام سيناريوهات مقلقة. لكن الحزب ما زال حريصا على حليفه السابق ولم يقطع كليا معه وهو راض بعودة عقارب الساعة الى ما قبل 6 شباط 2006 على أن يكون أي اتفاق “على القطعة”.

 

الحقيقة أن الجانبين لم يفيدا كثيرا من تفاهمهما. وباستثناء منع الحزب عن عون أية منافسة على الرئاسة قبيل وصوله، إلا أن الحزب يعلم تماما أن تلك الرئاسة لم تكن لتحصل لولا شرعية مسيحية حصل عليها عون مهدت لشرعية سنية تربع معها أثر ذلك على عرش الرئاسة.

 

يتهم العونيو الحزب بعدم الوقوف الى جانبهم لا بل بنصرة أخصامهم خلال عهد عون ما أدى، من ضمن عوامل أخرى، الى فشل العهد. وبذلك هم لم يفيدوا من تأييد الحزب لهم لا بل تدهورت شعبيتهم مسيحياً جراء تفاهم مار مخايل، ولا ينفع هنا تمنينهم بنائب من هنا ونائب من هناك، علما أنه كان في استطاعتهم مثلا إيصال نائب شيعي وخرق احادية ثنائي الحزب وحركة “أمل” نيابيا.. وهو ما لم يتجرأ التيار على القيام به ولا يريد القطع، حتى اللحظة، مع الحزب.

 

اليوم بات التيار يتمتع بحرية وبطلاقة في شارعه ليستعيد فيها بعضا من شعبيته، ولذلك فهو ليس مهتما بالعودة الى تفاهم مار مخايل ويريد الانعتاق من ضروراته أمس قبل اليوم والغد. لكنه كمن يمسك العصا من المنتصف، ولا يريد تسمية إسم للرئاسة لا يرضى عنه الحزب في مؤشر بالغ الدلالة.

 

لناحية الحزب هو يقدر انفتاح التيار ووقوف عون الى جانبه خلال حرب تموز 2006 وحلفه معه في وجه الارهاب أي تغطيته رسميا وعسكريا. لكنه يرى ان الاستراتيجية فرّقت الجانبين وأن التيار لا يقدر دقة الاوضاع بالنسبة الى الحزب المستهدف في كل لحظة كما أن لديه ملاحظات كبيرة على أداء رئيس التيار جبران باسيل إعلامياً.

 

هل يُترك أمر الانسحاب لفرنجية؟

 

من دون الغوص في أسباب الخلاف المتشعبة، ما زال “حزب الله” يتمسك بسليمان فرنجية ويؤكد قياديوه نفسَه الطويل في معاركهم التي كانت أشد ظروفا وطبيعة من هذه.

 

لكن ثمة من يشير الى ان الحزب، بقراءته للمتغيرات، لن يستمر بترشيح فرنجية إلا أنه لن يعلن ذلك بل سيترك الامر الى الرجل نفسه في اللحظة المناسبة التي لم تحن بعد. والقضايا التي تهم الحزب أكبر من الرئاسة، ولا يتعلق الموضوع فقط بحماية ظهر المقاومة التي يعلم قياديوه أن ليس هناك من يجرؤ عليها ناهيك عن قدرة خصومها ونيتهم بذلك، بل ان القضايا التي تهمه تبدأ بالتنقيب البحري وتمر باللاجئين ولا تنتهي بالعلاقات مع سوريا وبتعزيز حضوره الإقليمي..

 

ولذلك يشير متابعون بعضهم في صفوف أخصام الحزب، الى ان الاخير شرع في حوارات مع من يختلف عنه في النظرة الى القضايا الداخلية والخارجية مثل النواب التغييريين، لكن العلاقة يشوبها الجفاء مع “القوات اللبنانية” ومن يدور في فلكها، وخارجيا ابدى انفتاحا على السعودية لكن لا لقاءات مجدولة حتى الساعة ولا مهلة كما تردد لتظهير هذا الانفتاح بعد زيارة وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان.

 

لبنان سينتظر دوره طويلاً

 

رئاسيا قطع الموقف السعودي الشك باليقين من عدم تغير الموقف من الموضوع الرئاسي ومن حلفاء الداخل.

 

فالانكفاء السعودي الظاهر والدعوة الى حل داخلي يعنيان فعليا عدم القبول بفرنجية رئيسا.

 

يأتي ذلك بعد موجة تفاؤلية من قبل حلفاء الرجل تقوم على نفي سعودي للفرنسيين بوجود فيتو على زعيم المردة. وهذا لوحده شكل نواة الهجوم المعاكس الذي شنّه أنصار فرنجية للقول إن رئاسته ستشكل ثمرة التوافق الاقليمي الجديد بين ايران والسعودية.

 

بينما فحوى الكلام السعودي تقوم على عدم المجاهرة بالتأييد وبالرفض، أي توفير الضوء الأخضر للحلفاء للعمل من دون ضغط، ما لا يخدم معركة فرنجية الذي سيبدو معرقلاً للحل في حال عدم استنكافه عن الترشح الذي أعلنه مهما قال عكس ذلك.

 

ناهيك عن أن لبنان ليس أولوية عند العرب وسينتظر دوره طويلاً، وسيتم اختبار الاتفاق الاقليمي الجديد بين الرياض وطهران، في اليمن وغيره، ما سيتخذ وقتا قبل تمظهر النتائج، علما أن لبنان لا يتحمل ترف انتظار تلك النتائج ما يعزز لاواقعية فرضية المحور الداعم لفرنجية.

 

ويلفت متابعون الى أن الرئاسة الفرنسية التي تخوض معركة فرنجية علانية، تلقت رداً سعودياً على إغرائها الرياض بحاكمية مصرف لبنان ناهيك عن رئاسة الحكومة، ترجمته أننا غير مهتمين بالحاكمية كما أن رئاسة الحكومة لن تأتي معادية لنا وهي عرضة للتغير ليس على غرار رئاسة الجمهورية الثابتة على سنوات ست، وقد وصل هذا الرد لـ”حزب الله”.

 

بانتقال المعركة الى داخل قاعة المجلس النيابي، يشير مقربون من “حزب الله” الى قدرته على تأمين الـ 65 صوتا لأكثرية بسيطة لفرنجية، من دون قدرة على تأمين النصاب، وفي المقابل تؤكد المعارضة ان هذه الأكثرية البسيطة بعيدة تماماً عن متناول فرنجية، وثمة من يشير الى أن الرجل يحظى بعدد نيابي يتخطى ثلث أعضاء المجلس بقليل ليس أكثر.

 

على ان السؤال يبقى: ماذا لو تمكن المسيحيون من تزكية مرشح للرئاسة فماذا سيكون عليه موقف الحزب؟ يقول متابعون لموقف الحزب إن ذلك لن يؤثر على قراره الرئاسي المستقبلي، وكان نصر الله على علم بذلك حين اعاد تطمين فرنجية قبل فترة قريبة حول حظوظه الرئاسي بعد ان بدا الاخير أقل ثقة من السابق عليها.

 

لكن واقع اتفاق غالبية المسيحيين من جديد على إسم رئاسي، وهو ما ليس متوافراً حتى اللحظة لكن يُعمل عليه، سيُحرج الحزب الذي سيظهر بمظهر المُحبِط للمسيحيين والضارب لدورهم المُتضائل دراماتيكياً.