Site icon IMLebanon

«حزب الله» والكرملين: قواعد التفاهُم الصعب

شيءٌ من الفتور تجتازه العلاقة بين «حزب الله» وموسكو. الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله الذي يشدّد على الصحافة عدمَ الاقتباس عن لسان مصادر في الحزب، قال بلسانه لتلفزيون إيراني إنّ موسكو «ليست ضمن محور المقاومة».

الواقع أنّ سحابة عدمِ الدفء التي تُخيّم بين فترةٍ وأخرى على علاقة «حزب الله» بموسكو، لا تُعتبر، كما تصفها الصحافة الغربية، بداية تكوُّرِ كرةِ ثلج المشكلات بين الطرفين.

لكنّ الجديد في توصيف ما تمرّ به هذه العلاقة جاء على لسان نصرالله الذي استنبَط تعريفاً دقيقاً لها، مفادُه أنّ موسكو ليست ضمن محور المقاومة، وعليه فإنّ التباينَ معها في شأن عناوين ذات صلة بالأزمة السورية أو أيّ مسألة أُخرى هو أمرٌ ممكن الحدوث، ويظلّ له منزلة الاختلاف، وليس بالضرورة أن يصل إلى مرحلة الخلاف الاستراتتجي، أقلّه حالياً.

والعارفون ببواطن العلاقة بين حارة حريك وموسكو، يؤكّدون أنّ الطرفين نجحا منذ اللحظات الأولى لتدخّلِ روسيا العسكري في سوريا، بالتوصّل إلى رسمِ «قواعد للتجانس والتباين» بينهما.

فحارة حريك تعرف أنّ موسكو ليست في محور المقاومة كما قال نصرالله، وعليه ليس مطلوباً منها الدفاع عن منظومة أهداف المقاومة الاستراتجية في المنطقة، خصوصاً حينما تتعاكس مع مصالح حملة روسيا في سوريا، المتّسمة بأنّها تحتاج لمناورات سياسية مثلما تحتاج لمناورات عسكرية.

وفي المقابل تعرف روسيا أنّ «حزب الله» شريك تحتاجه راهناً في قتال الإرهاب في سوريا والتصدّي لأعداء الرئيس بشّار الأسد، وتعرف أيضاً أنه جزء صميميّ من المحور الإيراني في المنطقة.

يكشف هؤلاء أنّ «تفاهم قواعد التباين والتجانس» بين موسكو والحزب التي تمّ صوغها لإدارة تنظيم علاقاتهما فوق الميدان السوري تتألف من ثلاث نقاط أساسية:

الأولى، أنّ الطرفين يتكاملان ضمن خطة إدارة الحرب مع النظام ضد فصائل يتّفق الحزب وموسكو على نعتِها وعلى ضرورة استئصال سلاحِها أو دفعِها للقبول بالتفاوض من دون شرط إسقاط الأسد أولاً. نصر الله حرصَ أخيراً في خطابٍ له، على القول «إنه ليس صحيحاً أنّ الحزب ضد إتمام المصالحات الميدانية».

وهذه إشارة منه فيها إيحاءٍ يجيب على تسريبات كانت تحدّثَت عن أنّ «حزب الله» يُخرّب على روسيا خطتَها الهادفة إلى القيام، بعد حسم معركة حلب، بتنفيذ خطة إعادة نحو 90 بؤرة للمعارضة المسلّحة في أرياف دمشق وحمص وحماه، إلى كنف الدولة السورية، وذلك من طريق رعاية مصالحات فيها بين الطرفين وليس من طريق الحسم العسكري معها.

إشارةُ نصرالله هذه تريد التأكيد أنّ البند الاول من قواعد تنظيم التباين والتجانس بينهما في الميدان السوري، يستمرّ الحزب في احترامه بدليل نفيِه الإشاعات المتحدثة عن أنّ الميدان السوري بعد تحرير حلب تَسوده سياستان؛ إحداها روسيّة تقوم على تعزيز المصالحات الميدانية، والثانية لـ«حزب الله» تقوم على الدفع بالحسم العسكري ضد كلّ بؤَر وجود المعارضة.

الثانية، تتعلق بقضية أكثر حساسيةً وتعقيداً، وهي ذات صلة بإنجاز ترتيبات جعلِ النزاع المفتوح بين «حزب الله» وإسرائيل لا يلقي بظلالِه القاتمة والمتوتّرة على مسعى روسيا لجعلِ كلّ دولِ جوار سوريا بما فيها إسرائيل، متّفقة معها على تحديد قواعد فكّ اشتباك جوّي.

إعتماد موسكو على الحسم من الجو في سوريا، يَجعلها في حاجة لتعهّدات من دول الجوار السوري بأن لا تدخل طائراتها بلا تنسيق مسبَق مع حميميم إلى الأجواء السورية التي هي مسرح عمليات للمقاتلات الروسية.

في المقابل، فإنّ التزام هذه الدول تعهّدات كهذه لموسكو، يَجعلها تطالبها بضمانات بأن لا تحصل تطوّرات ووقائع عسكرية في الميدان السوري تضرّ بما تدّعي أنّه أمنها القومي. ما يهمّ إسرائيل ضمن هذه المعادلة، هو أمران: عدم إمرار «حزب الله» سلاحاً كاسراً للتوزان من سوريا إلى لبنان، وأيضاً عدم اقتراب الحزب من حدود الجولان المحتلّ.

ليس متاحاً لموسكو فرضُ الشروط الإسرائيلية على «حزب الله» في سوريا، ما يَجعلها أيضاً في المقابل غيرَ قادرة على فرضِ خطوط حمر على الشقّ المتعلق بنشاط إسرائيل العسكري ضد الحزب في سوريا.

الواقع أنّ قواعد التباين والانسجام بين الحزب وموسكو في سوريا تَلحظ بواقعية هذه المعادلة، وعليه فإنّ حزب الله يتفهّم أن لا تشتمل المظلة الجوّية الروسية في سوريا مواقعَه العسكرية، ويتفهّم ألّا تبديَ موسكو أيّ ردّة فِعل تجاه قيام اسرائيل بضربها من الجوّ مخترقةً بذلك حواجزَ الغطاء الجوي الروسي، علماً أنّ هذا الاختراق الإسرائيلي، لا يتمّ إلّا من خلال عِلم حميميم المسبَق به بموجب اتّفاق الخط الساخن الاسرائيلي ـ الروسي.

في المقابل يريد «حزب الله» من موسكو ضماناً، حصل عليه فعلياً، وهو سارٍ حتماً، ومفاده أن لا تكشف لإسرائيل أيّ معلومات عن إحداثيات وجود الحزب العسكري في سوريا.

وخلفيّة الحاجة إلى هذا التفاهم الصعب بين موسكو والحزب في سوريا، تُمليه طبيعة حاجات موسكو الملحّة لكي تضمنَ عدم السقوط في مستنقع الأفغنةِ في سوريا، وهو أمرٌ لا يتحقّق في نظر موسكو إلّا بتوفير ثلاثة عناصر استراتيجية، أوّلها، منعُ دولِ جوار سوريا من الاتفاق ضدّها، وذلك عبر إعطائها ضمانات بأنّ الوجود الروسي في سوريا لن يستخدم منصّة لأعدائها فيها.

وثانيها، عدم تزويد المعارضة سلاحاً مضاداً للطائرات. وثالثها، الإبقاء على شراكة الحد الأدنى مع واشنطن في سوريا. وأيّ خَلل يصيب أحد هذه العناصر الثلاثة يشعِل الضوء الأحمر في الكرملين كتعبير عن أنّ الجيش الروسي يقترب من «أفغنةِِ أُخرى» في سوريا.

الثالثة، تتمثّل في منطقة الجنوب السوري، وهو أمرٌ لا يزال يشكّل الخاصرةَ الرخوة في التفاهم الصعب الروسي مع الحزب. فإسرائيل تضع «فيتو» على اقتراب «حزب الله» من هذه المنطقة لأنّها محاذية لحدودها، فيما إيران تعتبرها منطقة تماس تؤمّن لها الوجود في النزاع العربي ـ الإسرائيلي.

الرئيس فلاديمير بوتين فتَح أخيراً شراكةً مع الأردن في هذه المنطقة، قوامُها تقديم المساعدة له لكبحِ مسار تقدّمِ «داعش» من الموصل فالرقّة عبر البادية إلى وادي اليرموك، في مقابل أن ينتهج الأردن تنسيقاً استراتيجياً مع موسكو لترتيب وضعِ منطقة الجنوب بحيث يكون خالياً من عناصر تُشوّش على ترتيب لعبة انسجام وجود روسيا في سوريا مع دول جوارها.