Site icon IMLebanon

«حزب الله» وترشيح فرنجية: إستراتيجية الهدوء

لا يتصوَّر أحد في «حزب الله» أنّ السيد حسن نصر الله يمكن أن يحنف بوعده للجنرال ميشال عون بأنّه سيستمرّ في دعم ترشّحه إلى رئاسة الجمهورية حتّى تراجع الأخير عنها. هناك اعتقاد راسخ في الحزب بأنّ قول نصر الله لعون إنّ «دَينه سيبقى في عنقه الى يوم الدين»، لن يتمّ إنكاره تحت أيّ اعتبار، وحتى لو كان هذا الاعتبار إيصال رئاسة الجمهورية إلى رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية المتّصف بأنه ليس فقط حليفاً سياسياً للحزب وللرئيس السوري بشار الاسد، بل حليفاً عقائدياً أيضاً.

من هذه الزاوية، تصطدم مبادرة ترشيح فرنجية بعقبة تبدو شكلية في الظاهر، ولكنّها جوهرية فيما لو نُظر إليها من زاوية ما تمثله لـ«حزب الله». وتؤسّس هذه العقبة لخلاصة أساسية تفيد بأنّه لن يكون ممكناً تمرير مبادرة ترشيح فرنجية، إلّا إذا وافق عون عليها بكامل إرادته، ومن دون توقّع ممارسة أيّ ضغوط عليه من نصرالله.

في «حزب الله» يعطون أولوية للاعتبار الآنف في قراءتهم لمبادرة ترشيح فرنجية. وهم حريصون على ألّا يؤدّي التعامل المستعجل معها الى المسّ بالصورة المعنوية لنصر الله التي تُعتبر أمراً ثميناً للحزب.

ينصحون في هذا المجال بالتوقف جدّياً عند معنى أنّ الجهة التي اطلقت مقولة «دين عون على الحزب الى يوم الدين»، هي نصر الله شخصياً وليس مجرّد أيّ قيادي في الحزب. وعليه فإنّ كسر هذا التعهّد، يترتّب عليه المسّ بصدقية صورته كرمز للحزب وللمقاومة.

ويلفتون الى أنّ «حزب الله» هو قوّة لبنانية بأدوار إقليمية، ما يجعل تحالفاته تتعدّى لبنان لتطاول قوى موجودة في فلسطين واليمن والعراق وسوريا والخليج، وتلعب صورة نصر الله في توثيق كلِّ هذه التحالفات دوراً أساسياً، كونها مصمّمة على أن تُقدّمه كقائد لديه مواصفات مبدئية في الخصام والصداقة.

ويتسبّب الإضرار بهذه الصورة بتبعات على الحزب، لبنانية وخارجية، فضلاً عن أنّه يُقدِّم خدمة ولو بسيطة إلى دوائر خارجية تعمل منذ العام ٢٠٠٦ على «شيطنة» صورة نصر الله، وإنزالها من مكانة «المقاوم وصاحب الوعد الصادق» الى مكانة تنافي المعاني الآنفة.

خلاصة القول إنّ «حزب الله» لديه أسبابه الأخلاقية، وحتى المصلحية العميقةـ التي تجعله حاسماً في تحاشي أن تتسبّب مبادرة ترشيح فرنجية بالإضرار بصورة نصر الله الرمزية والمعنوية لدى حلفائه المحليين والإقليميين.

والى جانب السبب المعنوي الذي يجعل نصر الله يتجنّب الضغط على عون لمصلحة حليفه فرنجية، لدى الحزب أسباب سياسية صرفة تقوده للتحفظ على مبادرة ترشيح الرئيس سعد الحريري لفرنجية، أو على الأقل تجعله يطرح بوجهها مجموعة أسئلة تشكّك في خلفيّاتها وجدواها المصلحية:

سؤال الحزب الأوّل، كما تطرحه مصادره، يُشكّك في جدّية الجهات السياسية التي أنتجت فكرة ترشيح فرنجية، ويصفها بأنها هشّة وليست صلبة في طرحها؛ والمقصود هنا دول خليجية وأوروبية بادرت لترشيحه، ومن ثمّ عمد الحريري الى مفاتحة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بإسم فرنجية، الذي اكتفى بإجابة مقتضبة: «لا مانع».

وعلى رغم أنّ الرياض لا تُخفي دالتها على رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لكنّ مصادرها تعترف بأنّ الإحراج الذي سيُصادفها في حال قرّرت إقناعه بتسهيل انتخاب فرنجية، يقع تحديداً في أنّ اسم المرشح الذي يطالبونه بدعمه يترك في نفس جعجع، هواجسَ مفهومة خلفياتها.

تجدر الإشارة إلى أنه في مقابل ملاحظات التشكيك بجدّية الرحم الخارجي والداخلي الذي وُلدت فيه فكرة ترشيح فرنجية، فإنّ مصادر «المستقبل» تؤكد أمرين: جدّية كلّ من مبادرة الحريري والدعم الدولي لها، إضافة إلى التأكيد أنّ العقدة الكأداء في وجه ترشيحه موجودة في الرابية، وليس في معراب، او أقلّه فإنّ عقدة جعجع تظلّ اسهل.

السؤال الثاني الذي يطرحه «حزب الله» هو عن الجدوى السياسي لمبادرة الحريري بترشيح فرنجية. ويعتبر الحزب أنّ مواصفاتها تجعلها غير مربحة سياسياً، نظراً لأنها تنطوي على «صفقة» بين رئاستي الجمهورية والحكومة حصراً، وليست على «تسوية كاملة» تلبّي روحية «مبادرة التنازلات المتبادلة» التي طرحها نصر الله أخيراً.

فكلّ التنازل الذي قدّمه الحريري يقتصر على القبول بترشيح فرنجية، وهذا تنازل لا يعدو كونه شكلياً في نظر الحزب، خصوصاً أنّ المطلوب في مقابله تنازلات جوهرية من جانب «٨ آذار».

وإذا صحّ أنّ «الصفقة» تشترط بقاء الحريري رئيساً للحكومة طوال عهد فرنجية، فهذا يعني أنّ الصلاحيات الفعلية ستبقى في أيدي «١٤ آذار»، فيما تكتفي «٨ آذار» بانتصار رمزي عنوانه «فخامة فرنجية» قليل الصلاحيات.

ويتّضح الآن بمناسبة تدقيق «حزب الله» في الربحية المتأتّية عن صفقة ترشيح فرنجية، أنّ ما كان يقصده أمينه العام حينما طرح أخيراً «مبادرة تبادل التنازلات ضمن سلّة التسويات الكاملة»، هو إنشاء مقايضة بين عودة الحريري الى رئاسة الحكومة وبين موافقة الأخير على سلة تفاهمات تشمل إنتخاب رئيس وقانوناً انتخابياً جديداً غير الستين، وتوافقاً مسبقاً على شكل الحكومة وتوزيعة مقاعدها وضمان «الثلث الضامن» فيها لـ»٨ آذار».

وأيضاً الاتفاق على مواد بيانها الوزاري، بحيث يتضمَّن إدراجَ بند «الشعب والجيش والمقاومة»، وأن يخلو من أّيّ بند جديد يدعو الحزب تصريحاً أو تلميحاً إلى الانسحاب من سوريا، أو يغمز سلباً من قناة قتاله هناك.

وبدفع من كلّ هذه الأسئلة، قرّر الحزب اتباعَ «استراتجية الهدوء» في التعامل مع مبادرة الحريري، وهو نصَح خلال الايام الماضية حليفيه فرنجية وعون بمحاكاة هدوئه حيالها، والتعاطي معها انطلاقاً من الثوابت الآتية: المبادرة تبقى مناورة طالما أنّ الحريري لم يبادر الى طرحها رسمياً وعلناً. وفقط عند إعلانها رسمياً يُبنى على الشيء مقتضاه.

ينصح الحزب فرنجية بعدم الاستعجال، وبعض أوساطه يُسجّل عليه أنه يُبدي سلوكاً مستعجلاً، ويطمئن الحزب من جهة ثانية عون بأنّ حارة حريك لن تتخلّى عن دعم ترشّحه. كما يلفت الطرفين الى ضرورة الحفاظ على الهدوء في تعاملهما مع التسونامي الإعلامي والسياسي الذي أثارته مبادرة الحريري.

ويرمي الحزبُ من وراء محاولته إقناع حليفيه المرشحين بالتشارك معه في «استراتجية إبداء الهدوء» تجاه التعامل مع مبادرة الحريري الى سلة أهداف، تتمثل بشراء الوقت السياسي العاصف الذي أحدثته خطوة ترشيح فرنجية داخل «٨ آذار»، ومحاولة احتوائها، كمقدّمة لمنع مفاعيلها من التسبّب في ثلاثة أمور خطرة؛ الأوّل شقّ صفوف «٨ آذار»، والثاني جرّ الحزب إلى موقف يُحتّم عليه خسارة أحد حليفيه المسيحيين الثمينين: فرنجية او عون، والثالث تكبيل هامش المناورة السياسية للحزب بقيود إجباره على السير في «صفقة الحريري مع هدية فرنجية رئيساً»، بدلاً من تسوية يريدها الحزب وتتضمّن رئيساً من «٨ آذار» ضمن سلة تفاهمات مسبَقة تتعلّق بقانون الانتخاب وشكل توزيعة الحكومة ومضمون بيانها.