IMLebanon

حزب الله” والسيناريو المعاكس: فكّر فيها!

 

 

يقارب «حزب الله» الأزمة الحكومية من زوايا متداخلة، ربطاً بالموقع الحساس الذي يشغله لبنانياً وإقليمياً، وهذا ما يرتّب عليه الدقة في إجراء الحسابات، وربما أكثر من أي طرف آخر، كونه يشكّل رقماً صعباً في أي عملية جمع أو… ضرب.

من المعروف أنّ لدى «حزب الله» مآخذ عدة على النهج العام للرئيس سعد الحريري، إذ إنه يختلف معه في الخيارات الكبرى والتحالفات الاقليمية والدولية، وهو من أشرس المعارضين للسياسات المالية والاقتصادية التي اتبعتها «المدرسة الحريرية» منذ عام 1992 واستمر فيها الحريري بعد دخوله المعترك السياسي، وهو كذلك يتهم بعض الشخصيات القريبة من رئيس تيار «المستقبل» بالتورط في ملفات الفساد والهدر.

 

ومع ذلك كله، فإنّ المفارقة تكمن في انّ «حزب الله» كان أساساً من أشد رافضي استقالة الحريري، ولاحقاً صار من أكثر المتمسّكين بعودته شخصياً الى رئاسة الحكومة، الى درجة انّ المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين خليل بذلَ والوزير علي حسن خليل أقصى الجهد الممكن، خلال زيارات عدة لـ«بيت الوسط»، لإقناعه بعدم «النزوح» عن السراي.

 

وبَدا الحزب كأنه اختار الانحياز الاضطراري الى الحكمة على حساب المنطق، والى الواقعية السياسية والضرورات اللبنانية على حساب قواعد الرياضيات التي تعني حُكماً أنّ 1 + 1 = 2.

 

بالنسبة اليه، لم يكن ممكناً تجاهل حقيقة انّ الحريري، ومهما كان رأي البعض فيه سيئاً، لا يزال يمثّل الأكثرية السنية وفق نتائج الانتخابات الاخيرة. وبالتالي، فإنّ مقتضيات الشراكة والتوافق تستوجب عودته الى رئاسة الحكومة، إنسجاماً مع خصوصية الواقع اللبناني المعروف بأنه سريع العطب، وتجنباً لأي فتنة او نعرات مذهبية لاحت مؤشراتها في بعض الشوارع أخيراً.

 

ويُضاف الى ذلك اعتبار جوهري آخر يأخذه الحزب في الحسبان، وهو انّ الحريري يجب ان يشارك في تحمّل مسؤولية معالجة الأزمة الاقتصادية – المالية التي ساهمت الخيارات الحريرية في تفاقمها، بدل إعطائه فرصة أن يستعير من وليد جنبلاط نظرية الوقوف على حافة النهر والاكتفاء بالتفرّج من شرفة «بيت الوسط» على المركب المترنّح، فيما هو يغرق شيئاً فشيئاً نتيجة «الحمولة الزائدة» الموروثة عن المرحلة السابقة التي كان تيار «المستقبل» شريكاً في إنتاج أعبائها.

 

بهذا المعنى، يكون الحزب قد سلّم بأنّ الاكثرية النيابية التي يملكها مع حلفائه ستخسر كثيراً من «قيمتها الشرائية»، في مقابل معادلة التفاهم والتوازن التي تبدو في نظر الضاحية أكثر من ضرورية في هذه اللحظة المفصلية لمواجهة خطر الانزلاق الى الانهيار الشامل الذي ستجرف سيوله الجميع، حتى من يتوهم أنّ بمقدوره النجاة إذا غادر «قمرة القيادة».

 

لقد صار واضحاً انّ الحزب حاول في طرحه أن يوَفّق بين ضرورة عدم إقصائه عن الحكومة بضمانة التمثيل السياسي المدروس من جهة، ووجوب التصدي للملفات التقنية عبر حضور الوزراء الاختصاصيين، من جهة أخرى. ومغزى هذه المعادلة، وفق واضعيها، هو انّ «حزب الله» الذي استطاع الصمود أمام كل أنواع الاستهدافات العسكرية يرفض بشدة أن يمنح واشنطن فرصة تحقيق نصر سياسي عليه بسلاح الضغط الاقتصادي والمالي، مع ما يعنيه ذلك من تعديل في ميزان القوى الداخلي الذي كرّسته الانتخابات النيابية الاخيرة.

 

والمسألة من منظار الحزب ليست مسألة حصة وزارية في حد ذاتها، بل هي تتصل قبل كل شيء برسالة سياسية فحواها انه ليس بمقدوره ان يتساهل حيال كل ما يتصل بدوره وحضوره امام الضغوط والمصالح الاميركية، وهو لا يريد ان يعطي أي اشارة قد يفهمها الاميركي والاسرائيلي ضعفاً او تراجعاً في موقعه اللبناني.

 

 

لكن، إزاء هذه المقاربة التي تعتبر انّ الممر الالزامي الى الانقاذ يتمثل في تشكيل حكومة تكنو- سياسية يترأسها الحريري، وتضم القوى الاساسية، ومن بينها «حزب الله»، هناك في المقابل من يدعو الحزب الى التخلّي عن هذه الوصفة وامتلاك جرأة القبول بحكومة تكنوقراط لا يكون منخرطاً في صفوفها.

 

ويعتبر أحد المتحمّسين لهذا الطرح، وهو من مؤيدي الحزب، انّ هناك مجموعة من الأسباب الموجبة التي تبرر اتخاذ مثل هذا القرار، وهي:

 

– انّ الحزب الذي دخل متأخّراً الى السلطة التنفيذية لم يكن متسبّباً بصنع المأزق الاقتصادي – المالي، بل انّ بيئته هي إحدى أكبر ضحاياه، فلماذا يأخذ على عاتقه تَلقّف كرة النار نيابة عن الآخرين؟ ولماذا يتحمّل المسؤولية المعنوية عن تركيبة حكومية سيُربط «نسبها السياسي» به، الأمر الذي من شأنه ان يُلقي على كاهله عبء أي إخفاق قد يصيب تلك التركيبة في مواجهة شبح الانهيار الداهم؟

 

– سحب كل الذرائع والقنابل الدخانية من الحريري الذي لطالما بَرّر عجزه بالتجاذبات والمناكفات السياسية بين مكونات مجلس الوزراء، وبالتالي وضعه هو وحكومته في «بوز المدفع» على قاعدة مطالبته بوقف الانهيار، وإلّا تحميله شخصياً، أو من يختاره للمهمة، المسؤولية الكاملة عن حدوثه في حال الإخفاق، وهذا أفضل من أن يُترك للحريري «ممر آمن» للانسحاب او التلطّي خلف شروط الآخرين، كي يتهرب من واجبه في معالجة نتائج ما زرعه الخط الاقتصادي الذي يرمز إليه على امتداد عقود.

 

– إنتظام الحد الأدنى من اللعبة الديموقراطية عبر الفصل بين الرأسين الملتصقين للحكومة ومجلس النواب، ما يسمح لاحقاً بمحاسبة حكومة التكنوقراط والحريري او من يختاره عند الفشل او التقصير، لأنّ التداخل بين السلطات حال طيلة الفترة السابقة دون تطبيق مبدأ المساءلة والمحاسبة، فضاعت المسؤوليات وذهب الاصلاحي في جريرة الفاسد.

 

– إنّ عدم تمثيل الحزب بشكل مباشر في حكومة التكنوقراط يمكن تعويضه من خلال صمّامات أمان عدة كفيلة بطمأنته، من بينها:

التشدد في اختيار وزراء من ذوي السمعة الوطنية النظيفة الذين لا تدور حولهم شبهة الارتباط بالخارج عموماً وبالاميركيين خصوصاً، وذلك بضمانة رئيس الجمهورية الذي يملك حقاً دستورياً في عدم توقيع أي تشكيلة لا تحظى بثقته وموافقته.

 

دور رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يترأس مجلس الوزراء حين يشاء ويتدخل في تحديد جدول الاعمال، ما يسمح له بلجم كل محاولة لتهديد الثوابت الوطنية.

 

وجود أكثرية نيابية وازنة تمثّل الحزب وحلفاءه في المجلس، بحيث يمكنها سحب الثقة من الحكومة حين تقتضي الحاجة او إسقاط وتعديل اي مشاريع قوانين غير مناسبة.

 

الاحتكام عند الضرورة الى الشارع للضغط على الحكومة ومنعها من الشرود في اتجاهات مريبة إذا مالت نحوها.

وبناء عليه، يتوجّه صاحب هذا الرأي الى «حزب الله» بالنصيحة الآتية: فكّر فيها!