يرى مسؤول أوروبي بارز معني بشؤون المنطقة ان “المعركة التي يخوضها “حزب الله” في سوريا ويهدد بإعلان التعبئة العامة في صفوفه من أجل توسيع نطاقها ليست مجدية ولن تحقق هدفها الأساسي وهو إنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد وحمايته من السقوط، وقد تترك إنعكاسات سلبية خطيرة على الأوضاع في لبنان ويمكنها أن تضعف دور القوى العسكرية والأمنية الشرعية التي تجسد الوحدة الوطنية والقادرة وحدها فعلاً على حماية البلد من أخطار تنظيم “داعش” وسائر القوى الإرهابية”. وقال لنا المسؤول أن العوامل الأساسية الآتية توضح أبعاد معركة “حزب الله” وحقائقها وطبيعة إنعكاساتها على مصير الأسد:
أولاً – الأزمة في سوريا أكبر وأعمق وأكثر خطورة من إمكانات “حزب الله” ومن قدرته على تغيير مسارها وموازين القوى فيها لمصلحة الأسد. فالنظام خسر مناطق ومواقع أساسية في القتال مع خصومه، فبات يسيطر على أقل من ربع مساحة البلد في ظل وجود الآلاف من مقاتلي الحزب الى جانبه واعتراف أمينه العام بأن الحزب يقاتل في كل المحافظات السورية، وعلى رغم الدعم الروسي – الإيراني المكثف لهذا النظام. ومعركة القلمون جزئية ومحدودة التأثير لأنها أساساً معركة إستنزاف وكرّ وفرّ ولن تسمح طبيعة المنطقة الجبلية الوعرة بانتصار حاسم للنظام وحلفائه فيها.
ثانياً – لن يستطيع “حزب الله” مهما فعل أن ينقذ الأسد لأن الخطر الحقيقي على النظام خطر ذاتي، لذلك تبدو روسيا وإيران قادرتين على دعمه عسكرياً ومالياً وعاجزتين عن إنقاذه وإيجاد حل سياسي للأزمة مقبول داخلياً وإقليمياً ودولياً يضمن بقاءه. فنظام الأسد دمّر ذاته بذاته وفشل في معالجة الأزمة وفي تحقيق أي من أهدافه الأساسية، بل ان حربه ضد شعبه المحتج ألحقت الكوارث والدمار والخراب الهائلين بسوريا وأفقدته سيطرته على معظم المناطق والحدود وجعلت نظامه يتفكك ويتفتت ويعجز عن حل المشاكل الضخمة التي يواجهها السوريون.
ثالثاً – الرهان الخاطئ الكبير الذي تمسك به الأسد منذ البداية هو انه يستطيع البقاء في السلطة من طريق تبني الخيار العسكري المدمر ورفض الحل السياسي الحقيقي الشامل للأزمة. واعتقد الأسد ان توسيع نطاق المعركة سيدفع الدول المؤثرة الى مساندته وعدم تكرار تجربة العراق في مرحلة ما بعد الغزو عام 2003. لكن ما حدث هو ان التفكك الواقعي لسوريا وانهيار الدولة ومؤسساتها حدثا في ظل حكم الأسد وبسبب أعماله. والدول الغربية والإقليمية المؤثرة، التي شكلت قبل اندلاع الثورة مظلة حماية للأسد ولنظامه، رفضت التدخل لمصلحته وهي على اقتناع بأن بقاء هذا النظام لن ينقذ سوريا بل انه يشكل خطراً عليها وعلى شعبها ويطيل الحرب.
رابعاً – يرتكب “حزب الله” الخطأ الأساسي ذاته الذي يرتكبه النظام عمداً في التعامل مع جوهر الصراع في سوريا، إذ ان الطرفين يصفان المعارضين بالإرهابيين والتكفيريين ويحاولان تصنيفهم على أساس انهم في صف واحد مع “داعش” والمتطرفين والإرهابيين. لكن هذا الإتهام يتناقض مع الحقائق إذ ان ما تشهده سوريا في الأساس وفي الدرجة الأولى هو صراع حقيقي عميق بين نظام متسلط وثوار ومعارضين سوريين يمثلون شعباً محتجاً يطالب بحقوقه المشروعة وأبرزها حقه في العيش في كرامة وأمان وحقه في تقرير مصيره من طريق إنتخابات تعددية حقيقية حرة وشفافة لم يشهدها البلد منذ 1963. والنظام هو المسؤول الأول عن نمو وانتشار القوى الجهادية والإرهابية في سوريا. واللافت في هذا المجال ان العدد الأكبر من المعارك التي ينفذها “حزب الله” في سوريا يستهدف الثوار والمعارضين وليس “داعش” والإرهابيين.
خامساً – لن يستطيع “حزب الله” تغيير المعادلة الأساسية في سوريا إذ ان مصير البلد ليس في أيديه أو في يدي الأسد بل انه في أيدي زعماء الدول المؤثرة. فالمعلومات التي يملكها مسؤولون أميركيون وفرنسيون تفيد ان مرحلة ما بعد الأسد بدأت فعلاً وان المشاورات بين واشنطن وموسكو تتناول تحديداً الطريقة العملية المناسبة للإنتقال من الحكم القائم الى نظام جديد تعددي يضمن المصالح والحقوق المشروعة لكل مكونات الشعب ويرتكز أساساً على تطبيق بيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012 والذي يحظى بشرعية إقليمية ودولية واسعة ويحدد سبل إنهاء حكم الأسد وانتقال السلطة الى النظام الجديد. ولن يستطيع “حزب الله” أن يمنع فعلاً الإنتقال الى مرحلة ما بعد الأسد.
وخلص المسؤول الأوروبي الى القول: “إن محاولة إنقاذ نظام الأسد ليست معركة اللبنانيين، خصوصاً انهم في غالبيتهم يؤيدون قيام نظام جديد في سوريا متصالح مع شعبه ومع لبنان. وهذا الواقع ينتزع ويسحب من “حزب الله” أية شرعية لبنانية شعبية وسياسية لخوض حرب باهظة الأثمان في سوريا دفاعاً عن الأسد ونظامه. لكننا نعرف أن قرار الحزب إيراني وليس نابعاً من المصلحة اللبنانية”.