IMLebanon

«حزب الله» وطريق الهاوية.. في البادية

عمليات التشييع لا تنتهي، كأنها نذور على الأهالي ووجب عليهم الإيفاء بها طالما أنهم على قيد الحياة، حتّى ولو بعد ستة أعوام على الانغماس في حروب الآخرين. التضحيات مُكلفة وهي في تصاعد مستمر يمتزج خلالها التعب والشقاء بأحلام ورديّة يُقنعون أنفسهم بأنها آتية ولو بعد طول انتظار. البعض يقول إن عددهم قد تجاوز الألفين، والبعض الآخر يُحذّر من خطورة المرحلة المقبلة. طائفة لم يشبع منها الموت، كُتب عليها دفع «الجزية» من لحمها ودمها على طريق لا حياة فيه ولا رجعة لأحياء فيه.

أمس أطل الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله على شاشة «المنار» في احتفال تأبيني للقائد العسكري علي الهادي العاشق المعروف بـ «الحاج عبّاس»، والذي سقط في في حمص منذ أيّام قليلة، ليُحدد مجدداً خيار حزبه بالنسبة إلى الحرب في سوريا ومشاركته كفريق أساسي فيها. لم يبدُ نصرالله قلقاً ولا حذراً ولا حتّى منفعلاً كعادته كما جرت عليه العادة خلال اطلالاته السابقة. كان واضحاً في في إعادة رسم طريق «الموت» وتثبيته كخيار نهائي لا سبيل للعودة عنه تحت أي من الظروف.

وعلى القاعدة نفسها، استعاد نصرالله حكايات الأهالي مع دعواتهم إلى قبول أبنائهم «الوحيدين» ضمن الفرق المقاتلة في سوريا تحت «راية الحسين»، وذلك عندما توقّف عند «ظاهرة مجيء الأب والأم للمطالبة بالموافقة على ذهاب ابنهم الوحيد الى الجبهة، ووجود رسائل هؤلاء الأهل عندي. هنا بدا نصرالله وكأنه يحاول امتصاص النقمة أو الغضب الذي بدأ يظهر ولو بشكل «خجول» ضمن بيئته ومنعاً لتطوره، خوفاً من أن يتحوّل إلى ظاهرة اعتراض بين جمهوره.

والأهم في الأمس، أن «حزب الله» استعاد مسار التشييعات وإحياء اسابيع قادة وعناصر يسقطون على الدوام في سوريا وآخرهم «العاشق» ، وهو أمر بدأ يُشكل قلقاً للحزب أمام جمهوره في ظل غياب التبريرات غير المُقنعة التي يمكن أن يتعكّز عليها خلال مساءلته عن جدوى الموت في سوريا، والأسباب التي تُبقيه حتى اليوم هناك على الرغم من الفاتورة المُكلفة والمرتفعة التي يدفعها جمهوره من دمائه ودماء أبنائه، بالنيابة عن النظامين السوري والإيراني، وفي سبيل تحقيق مشروع هذا الاخير في المنطقة، ودائماً تحت ذريعة محاربة الوجود «التكفيري»، علماً أن هذين النظامين هما من أكثر الدول التي عملت وساهمت في تمدد هذا الوجود والتي أفردت له مساحات واسعة خصوصاً في سوريا والعراق، وأيضاً لبنان الذي استطاع بقوة جيشه ووحدة شعبه القضاء على الجماعات الارهابية وهزمها بشكل نهائي، في أول بلد عربي.

كما هو معلوم، إن خسائر «حزب الله» في صفوف القادة الذين سقطوا على الأراضي السوريّة كبيرة ومنهم: مصطفى بدر الدين، جهاد مغنية، القائد العسكري محمد أحمد عيسى المعروف بـ «أبو عيسى»، القائد العسكري إبراهيم الحاج «أبو محمد سلمان»، حسن حسين الحاج الملقب بـ «أبو محمد الإقليم» قائد عمليات الحزب في منطقة ريف إدلب – سهل الغاب، مهدي عبيد، القائد اسماعيل أحمد زهري، القائد العسكري حاتم حمادة الملقّب بـالحاج «علاء»، والقائدين رشيد وبيز، وآخرهم القائد العسكري «العاشق». هذا العدد كافٍ وحده أن يضع الحزب أمام مساءلة جمهوره عن الإنجازات التي حقّقها مقابل خسارة كل هؤلاء القادة، و»الانتصارات» الموعودة. وهنا، ثمة جزء من جمهور الحزب يسأل: ألا يجب أن ينسحب كلام نصرالله عندما قال «لقد أنجزنا المهمة عند الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا وسنفكك بقية المواقع العسكرية هناك»، على وجود «حزب الله» في العمق السوري مثل إدلب وحلب وحماة ودير الزور وريف حمص؟.

من باب التذكير، فيوم اندلعت الانتفاضة في فلسطين على يد أطفالها والتي عُرفت حينذاك بثورة «أطفال الحجارة» وبدأت في حينه قوافل الشُهداء تتساقط برصاص الاحتلال الإسرائيلي، أطلّ نصرالله في كلمة عبر الإعلام ليقول: «لا نريد أن يأتي يوم ويُصبح فيه قتل الفلسطينيين بالنسبة إلينا أمراً عاديّاً». ربما يومها لم يدرك نصرالله أن الأمور يُمكن أن تتبدّل وأن النظرة إلى الموت على أنّه أمر عادي يُمكن أن تنتقل إلى بيئته وجمهوره. اليوم تحوّل الموت في سوريا إلى امر شبه عادي. القافلة تكبر والنزف يكبر وقاعدة الموت اتسعت بشكل كبير بحيث استطاعت ان تشمل ابن البقاع والجنوب والضاحية ضمن دائرة استهداف واحدة. التسريبات تؤكد أن العدد قد تجاوز الألفي عنصر، فيما يذهب البعض الآخر ليقطع الشك باليقين بقوله أن في حلب والقلمون فقط، خسر «حزب الله» ما لا يقل عن الف مقاتل.

حتّى اليوم، لم تمنع خطابات «النصر» ولا الشعارات الرنّانة ولا حتّى الهدن العسكرية المُعلنة منها والسريّة، توقف النزف الحاصل، فمرة جديدة يبرز الوجع نفسه كعنصر أساسي داخل بيئة «لا حول لها ولا» تشعر بأن لا طريق مفتوحاً أمامها، سوى طريق الموت والهاوية. وهذا وحده يُنذر بأيام صعبة بدأت تتسلّل إلى داخل بيئة تحوّلت إلى هدف لقتل إرادي ولا إرادي من دون أن تجد من يرفع عنها هذا الشبح.