IMLebanon

«حزب الله» و«دولة لبنان».. مشروعان لا يلتقيان

في إطلالته أوّل من أمس والتي استبق فيها إعلان «النصر» على «نصرة» أبو مالك التلّي، عاد الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ليُنصّب نفسه وحزبه مرجعاً عسكرياً وسياسيّاً على لبنان، اليه يعود قرار الحرب والسلم، وعنده تُحسم الجدالات المتعلقة بإنفراده بمصير البلد والتي حاول القفز فوقها بجملة «هدايا» وزّعها منّة على الطوائف اللبنانية ومذاهبها، لكن كالعادة على قاعدة «النصر الإلهي»، على غرار جميع الحروب التي خاضها ويخوضها الحزب، من اليمن إلى لبنان.

في خطاب «النصر» المدفوع مُسبقاً والذي تاه فيه «مالك التلال» بين الجرود والوديان، على غرار اللغز المُحيّر الذي خلّفه الإرهابي شاكر العبسي وراءه يوم فرّ من معركة «نهر البارد»، بدا واضحاً من خلال العناوين والعبارات التي طُرحت والتي صيغت بشكل مُتقن، أن معركة الجرود التي يخوضها «حزب الله» اليوم، هي تكملة لمشروع بدأ في في العراق واستكمل طريقه باتجاه سوريا ومن بعدها اليمن، يرمي إلى تشكيل «فيلق» يمتد على كافة هذه المساحة الجغرافية، على أن تكون قيادته ومرجعيته العسكرية والسياسية، وحتّى الشرعيّة في طهران، وهو ما يظهر أيضاً من خلال التقسيمات الحاصلة في سوريا والتي أوجد الحزب لها ممر إلى لبنان بعد إلعانه بسط سيطرته على الجرود والتوقف عند حدود مُعينة.

إستدلالاً على أهميّة معركة الجرود بالنسبة إلى «حزب الله»، والفائدة التي يُمكن أن تعود عليه بعد «تحريرها» خصوصاً أنه سبق أن خاض عدة مفاوضات مع «النصرة» بهدف إنسحابها سلميّاً قبل أن تفشل كل المساعي، فهي تكمن في اخضاع المنطقة بأكملها بريفي دمشق وحمص بالتزامن مع سعيه إلى تأمين وجوده في الجنوب السوري مثل القنيطرة والجولان، تمهيداً لبسط سيطرته التامة. وفي المقلب المتعلق بأهمية خطاب نصرالله الذي أراد من خلاله اللعب على غرائز جمهوره ووصفه له بـ»شريك النصر»، يُمكن اعتبار ما حققه الحزب في جرود عرسال، «إنجازاً» نوعياً يُمكن أن يضعه أمام هذا الجمهور، في ظل تزايد الخسائر التي ما زالت تلاحقه على امتداد خريطة معركته الممتدة من العمق السوري إلى الحدود اللبنانية.

وفي ما يتعلق بما تبقى من الجرود في رأس بعلبك والقاع، والمقصود وجود مواقع لعناصر من تنظيم «داعش»، قال الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله: «نترك الحديث به إلى حينه». بهذه الجملة المُقتضبة يكون نصرالله قد مرّ مرور الكرام على وجود هذا التنظيم الذي لا يبعد أحد مواقعه في القاع أكثر من مئتي متر عن إحدى نقاط الحزب، ومع هذا لم تُلحظ حتى اليوم أي معركة بين «الجارين» منذ فترة طويلة. وفي سياق التغاضي عن وجود هذا التنظيم في أكثر من مكان في الجرود، لا بد من العودة بالذاكرة قليلاً وتحديداً إلى زمن معارك القلمون يوم تم حصار مجموعات من «داعش» في أماكن محددة من قبل «الجيش السوري الحر» و»جبهة النصرة»، يومها جرى تهريبهم باتجاه الرقّة عبر مدن وبلدات تقع تحت سيطرة النظام السوري.

محاولة تعويم النظام السوري التي بدأها «حزب الله» منذ فترة، من خلال ملف النازحين السوريين في لبنان والدعوة إلى عودتهم إلى ديارهم، ودعوته الحكومتين اللبنانية والسورية إلى التعاون بهذا الملف بهدف إضفاء شرعية على عمل هذا النظام المتورط بجرائم قتل وعمليات إبادة، استعادها نصرالله مجدداً في خطابه من خلال قوله «هناك اختلاف في وجهات النظر حول هذه المعركة نحترمها ولكن نؤكد أن لا علاقة لايران بها ونحن تواصلنا مع القيادة السورية للتعاون معنا». من هنا يبدو أن الحزب لن يقف عند هاتين المحاولتين فقط، من أجل منح حليفه غطاءً دوليّاً شرعيّاً على قاعدة انه شريك أساسي في مكافحة الإرهاب، وبأنه يُمكنه وعلى طريقة «الحشد الشعبي» في العراق، تحقيق إنجازات لم تستطع العديد من الدول تحقيقها خلال مواجهتها تنظيم «داعش».

ربما من أهم التخوفات التي رافقت اللبنانيين منذ اعلان «حزب الله» البدء بحرب جرود عرسال، هو أن هذا القرار اتُخذ بالمشاركة والتنسيق مع القيادتين الإيرانية والسورية، وأن توقيت إعلان المعركة جاء بأمر خارجي فيما الدولة اللبنانية وُضعت أمام خيار واحد هو أن الحزب قرّر فتح المعركة. هذا التخوّف أعاد اللبنانيين بأذهانهم إلى بداية حرب تموز 2006 يوم انفرد الحزب بقرار الحرب التي انتهت على جملة «لو كنت أعلم». لكن يومها كان لبنان قد عاد عشرات السنين إلى الوراء، بفعل حجم الدمار الذي لحق بالبشر والحجر. ولذلك فإن ما يقوم به «حزب الله»، ليس سوى جزء من خُطة مرسومة مُسبقاً لا تتعلق لا بحماية اللبنانيين ولا بإخراج «التكفيريين»، بل هو مشروع كبير يُعمل عليه منذ إحتلال القصير والقلمون والزبداني، والآن جاء دور جرود عرسال.

من نافل القول، أنه لا يجوز بأي شكل من الأشكال، المقارنة بين الدور الذي يقوم به الجيش، وبين ما يقوم به «حزب الله». للجيش مرجعية سياسية مشروعها وطني واضح المعالم ووطني بامتياز، كما أنه غير معني لا من قريب ولا من بعيد، بفتح معارك غير محسوبة النتائج خصوصاً وأن دوره مبني أوّلاً واخيراً على حماية المدنيين والقرى الحدودية من أي محاولات اعتداء أو عمليات تسلّل، بينما للحزب دور يتخطّى موقع جرود عرسال وإنتماءها الجغرافي، وخير دليل هي تلك المفاوضات التي عاد ليستكملها أمس مع «النصرة» والتي تهدف إلى تبديل عناصر مُحتجزة لدى الطرفين من دون أن يكون للدولة اللبنانية أي دور فيها، ومن دون أن يُطلعها على أية تفاصيل يُمكن أن تخدم بطريقة ما، ملف العسكريين المخطوفين لدى «داعش».