على رغم النبرة العالية التي اعتمدها الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله في خطابه الأخير، وشرحه مبرّرات العمليّة النوعيّة التي نفّذها الحزب في مزارع شبعا ضد العدو الاسرائيليّ وأهدافها، وإعلانه عدم التزام قواعد الاشتباك التي كانت سائدة مع الاسرائيليين منذ نهاية عدوان تموز 2006، إلا أنّ الأمور لم تخرج عن السيطرة وعادت مبدئياً إلى الوضع الذي سبق القنيطرة وشبعا.
بصرف النظر عن الخسائر التي تكبّدها الاسرائيليون، ومع التسليم بفرضية أنّ عمليّة شبعا جاءت ردّاً على جريمة العدو الاسرائيلي بحق شباب «حزب الله» وأحد الجنرالات الايرانيين في القنيطرة السورية، لكنّ ذلك لن يلغي أنّ عملية الحزب أتت بعد سلسلة اعتداءات وخروقات إسرائيلية بحق لبنان، فضلاً عن التصفيات الجسديّة التي اعتمدها العدو الصهيونيّ من خلال اغتيال العديد من قيادات «حزب الله»، لعلّ أبرزها الحاج عماد مغنيّة.
من هنا، جاء الردّ محدّداً وموضوعيّاً: عمليّة نفّذها الحزب في شبعا، أدّت الى مقتل جنرال اسرائيلي او أكثر، أقلّه بحسب اعترافات الاسرائيليين ووسائل إعلامهم، لا أكثر ولا أقلّ.
وضع اللبنانيون أياديهم على قلوبهم، وبدأ القلق ينتابهم، نتيجة ترقّب ردة الفعل الاسرائيليّة على عمليّة «حزب الله». ساعات بطيئة مرّت، واجتماعات سياسيّة وأمنيّة مكوكيّة، قبل أن يتّضح أن العدوّ الصهيوني غير مستعدّ لفتح مواجهة أكبر مع «حزب الله».
إتفاق نووي، وحراك سعودي – إيراني
بكلّ بساطة، السياسة والقرارات المصيرية تُحاك في مكان آخر، فالولايات المتحدة الأميركية أبلغت إلى حليفتها اسرائيل أنّ المواجهة انتهت عند هذا الحدّ، وإيران أعطت توجيهاتها لـ»حزب الله» بأنّ الردّ كافٍ هذه المرة. ولا مانع، بُغية إعطاء معنويات لجمهور المقاومة، أن يخرج أحد المسؤولين الايرانيين الى الاعلام ليصرّح ما مفاده بأنه على الاسرائيليين ألّا يعتبروا عملية شبعا الردّ الوحيد والنهائي، بل عليهم انتظار عمليات موجعة أكثر في الوقت المناسب!
تشير المعطيات إلى أنّ بوادر اتفاق نوويّ أوليّ قد يعلن في شهر آذار المقبل بين ايران ودوَل الخمس (5+1). إلّا أنّ هذا الاتفاق لا يمكن أن يسير في ظلّ التوتر القائم بين المملكة العربية السعوديّة وايران. لذا، فإنّ تخفيف حدة التوتر بين الدولتين يتمّ في خطوة أولى عن طريق تغيير بعض القيادات في كلا البلدين، وهو ما شهدناه أخيراً.
من هنا، ترعى الولايات المتحدة الأميركية مساراً جديداً في العلاقة بين السعودية وايران، هدفه مواجهة الارهاب والتكفيريين. لكن في المقابل، هناك متضررون في هذه المنطقة من التقارب السعودي – الايراني، وأوّلهم النظام السوري المُستبعَد تماماً عن تفاصيل هذا الحوار، والذي يرى أنه سيكون أوّل ضحاياه.
في لبنان، يأتي حوار «حزب الله» مع «المستقبل» من ضمن هذا الاطار، أو المشهد السياسي العام في المنطقة. وبالتالي، على اللبنانيين ألّا ينتظروا أن يؤثر أيّ تطور أمنيّ أو سياسيّ داخليّ على استمرار الحوار بين الطرفين، أقلّه خلال الشهرين المقبلين، الى حين جلاء الصورة الحقيقية لتطورات المفاوضات النووية من جهة، ومستقبل النظام السوري من جهة أخرى.
ثمّة من يقول إنه في سياق العلاقة السعودية – الايرانية، ومع اقتناع الايرانيين بأنه لا يمكنهم الاستمرار في تأمين بقاء الأسد في السلطة، إضافة الى حاجتهم الملحّة لتغيير الواقع الاقتصادي السيئ الذي ترزح تحته البلاد نتيجة الضغوط والعقوبات الاقتصادية الغربية، من
خلال الوصول الى نتيجة مقبولة في المفاوضات النووية، يأتي قرار «حزب الله» بالانسحاب من منطقة القلمون السورية، تمهيداً للخروج من كلّ الأراضي السورية، وتسليم زمام الأمور إلى جيش النظام ومجموعات محليّة تمّ تشكيلها وتجهيزها طوال الفترة الماضية، كما حصل في العراق، وهي شبيهة بتكوينها من «حزب الله» لوجستياً.
لكن، من يضمن استمرار هذه المجموعات وعدم تفكّكها، في ظلّ اختلاف العقيدة والمبادئ التي تجمع عناصرها؟
تخوّفٌ بدأت تظهر ملامحه لدى قيادة الحزب، ومسؤولي النظام السوري على حدّ سواء.