يستمر «حزب الله» في حصاره لبلدة مضايا السورية منذ بداية تموز العام 2015، ويستمر معه الظلم والقهر اللذان يمارسهما في حق أهالي البلدة المُخاصرين في لقمة عيشهم وأمنهم ومؤخراً بالألغام الأرضيّة التي تم زرعها بكثرة عند حدود البلدة حتّى أصبحت أشبه بسجن أو معتقل كبير لما يُعادل ثلاثين الف نسمة معظمهم من النساء والأطفال والعُجّز، وهو الحصار الذي تسبب حتى اليوم، بمقتل العشرات من أهل البلدة بسبب الجوع المفروض عليهم.
مُعدّل الموت جوعاً غير ثابت في مضايا، إذا انه هو الآخر يخضع لتضييق إعلامي يُمارسه «حزب الله» والنظام السوري بحق البلدة المنكوبة وأبنائها على الرغم من أن اتفاقاً كان حصل بين الحزب والنظام من جهة، وبين عدد من الفصائل المسلحة خارج البلدة من جهة أخرى قضى برفع الحصار عن مضايا بالتزامن مع إجلاء الجرحى من البلدتين الشيعيّتين «الفوعا» و»كفريّا»، لكن حتّى اليوم ما زالت تخضع «مضايا» للحصار بالإضافة إلى ممارسة سياسة «الترانسفير» بحق أهلها إمّا ترغيباً وإمّا ترهيباً.
وحدهم عناصر «حزب الله« وجيش النظام السوري، يُشاهدون عن قرب حجم مأساة اجمعت المنظمات الحقوقية والانسانية على أنها الأسوأ منذ بداية الحرب في سوريا، والأكثر ضرراً في نفوس عائلات تمنت الموت لأطفالها بدل أن تراهم يموتون من الجوع والعطش، ومع هذا يُصرّ الحزب على أن لا شيء يحدث في البلدة وان الأمور فيها على ما يُرام تماماً كما سبق له وأعلن بأن «ما في شي» في سوريا، يوم كان «بركانه» و»رعده» و»زلزاله» يغتالون الأبرياء والآمنين في منازلهم، ويوم كانت أسلحة النظام «الكيماوية» تحوّل أجساد الأطفال إلى الواح خشبية وإلى أرقام مُبعثرة على الأرض.
لا يريد «حزب الله» أن يقرأ واقع الأمور جيّداً، فعلى الرغم من المجازر التي يتعاون والنظام على إرتكابها، يُصرّ على وصف حربه هناك بـ»النظيفة»، وعلى اعطائها جملة مبرّرات تحت خانة «الإضطرارية» في مواجهة «التكفيريين»، لكنه لم يسأل نفسه يوماً، عن الظلم الذي ألحقه بأهالي «القصير» و»القلمون» و»الزبداني» واليوم «مضايا»، بعدما شرّدهم ودمّر منازلهم وأحرق أرضهم. هذا كلّه يُسميه الحزب «إنتصارات» ويُصنفه ضمن خانة الحرب «العقائدية» التي تُمهّد ليوم «العدل». وأي عدل هذا الذي يقوم على جثث الأطفال واقتلاع أصحاب الوطن من أرضهم واستبدال بيوتهم بخيم خارج حدود وطنهم؟.
اليوم في «مضايا« يُنهي «حزب الله« آخر إدعاءاته بأن تدخله في الحرب السورية كان بحجة حماية «المقامات« و»الواجب الجهادي« إلى آخر المعزوفة. قيادة الحزب أصدرت مؤخراً اوامر لعناصرها في البلدة وجوارها وتحديداً «الزبداني»، بتحويلها إلى سوق تجارة يقوم على مبادلة أصحاب المنازل والعقارات وغيرها من الممتلكات، بمبادلتها بمواد غذائية يحتكرها كل من الحزب والنظام ويتحكّمان بأسعارها، لكن الأهالي الرافضين الخضوع لشروط القهر والذل، استعاضوا عن المواد الغذائية بأكل لحوم القطط والحشائش وشرب مياه الصرف الصحي، وها هم ينتظرون في المقبل من الأيّام، ظهور دود الأرض وعودة اخضرار أوراق الأشجار التي أحرق «حزب الله» أكثر من ثمانين في المئة منها.
في روايات لعدد كبير منهم، أفرغ أهالي «مضايا» حجم المعاناة التي يعيشونها في ظل الحصار المُطبق عليهم. البعض تحدث عن أطفال وعجزة وكهول أنهكهم الجوع والمرض والألم، منهم من أسلم الروح، فيما يصارع آخرون الموت. والبعض الآخر روى قصّة عائلة مؤلفة من خمسة أفراد ظلّت لفترة خمسة عشر يوماً تتناول الحساء المصنوع من الحشائش اليابسة إلى ان قرّر الوالد ذبح بعد القطط وتقديمها لهم على أنها لحم أرانب. مقابل كل ما يحصل هناك، لا ينفك الحزب عن إدّعاءاته بـ»الإنتصار»، بينما أعداد عناصره الذين يسقطون على الجبهات في سوريا، هم في حالة تزايد مستمر، إذ لا يكاد يمر يوم أو اثنان إلّا وينعى فيه عنصرين او ثلاثة، وأحياناً يكون الاعلان عن سقوط مجموعة بكاملها.
منذ إنخراطه في الحرب السورية تحت حجج متعددة ومتنوّعة سعى من خلالها إلى تبرير عدوانه، وسكوته عن مجازر نظام الأسد المتكررة بحق الشعب السوري والمتنقلة بين منطقة وأخرى، ها هو «حزب الله« يفرد لنفسه وبالتنسيق مع نظام القتل، صفحات جديدة وموثقة في تاريخ الجرائم ضد الإنسانية من خلال محاصرته بلدات سوريّة وتجويع أهلها ومنعهم من الحصول على فُتات الخبز أو شربة ماء. هي مشاهد تبدو وكأن التاريخ قد استعاد مجموعة صور من زمن الحروب العالمية. أطفال يلفظون أنفاسهم الأخيرة وهم في أحضان أمهاتهم. يموتون وعيونهم شاخصة إلى السماء وكأنهم ينتظرون عدالتها بعدما حجب عنهم الحزب والنظام عدالة الأرض.