IMLebanon

«حزب الله» والوهابية

ظلت الوحدة الاسلامية دعامة أساسية ودائمة في ثوابت «حزب الله»، إلى جانب سلاح المقاومة،على طريق المواجهة مع إسرائيل. فالحزب الذي لم يعترف يوما بمذهبية المواجهات المفروضة عليه في لبنان وسوريا، فضلا عن محاولاته نزع صفة المذهبية عن الصراعات الداخلية في بعض دول المنطقة، بدأ مؤخرا يتحدث عن العمق العقائدي والمذهبي للصراع بين بعض المسلمين، وصولاً الى الاعتراف بالخطر التكفيري الوجودي، بنحو يتجاوز مجمل الاخطار التي انتجتها مراحل الصراع مع العدو الاسرائيلي.

ويرى البعض ان السيد نصرالله بخطابه العاشورائي الذي انتقد فيه الوهابية، قد أخرج الخلاف بين محوري الصراع الإقليمي من اطاره السياسي والاستراتيجي الى اطار ديني عقائدي، الأمر الذي ينطوي على اعتراف بأن العامل المذهبي يشكل عنصراً اساسياً في موجات العنف التي تشهدها بعض دول المنطقة.

والواقع أن المذهب الوهابي لم يكن يوما مشمولاً أو مدرجاً في أدبيات «حزب الله» الداعية الى الوحدة بين المسلمين. ذلك ان الوهابية التي تكفّرالشيعة والسنة، بالجملة والمفرق، لا تصلح بنيويا للشراكة والتوحد مع المذاهب الاسلامية الاخرى. فهي لم تستطع ان تنتزع لنفسها اعترافاً بوصفها المذهب الخامس لدى اهل السنة والجماعة، ولم يخرج تصنيفها في الوسط الاسلامي العام عن خانة الغلو. وبالتالي، بقيت روابط الوهابية مع عموم المسلمين تراوح بين الاحتواء الى حد الاستتباع، أو الضدية الى حد التكفير. فنظرة الوهابيين الى معظم أهل السنة لا تختلف عن نظرتهم الى الشيعة الا في موجبات التكفير ومسبباته، بينما النتيحة في الحالتين واحدة و هي الإخراج من الملة.

لم يقصد السيد نصرالله بنقده للسعودية رفع مستوى الخصومة معها، بمقدار ما أراد دعوة القيمين فيها الى مراجعة اصلاحية لما تنتجه المؤسسة الدينية الوهابية، والى حل التناقض القائم بين رفض المملكة للتطرف الديني وانتاجها له. فإذا كان تنظيم «داعش» المدرج على لوائح الارهاب السعودية يشكل خطرا على المملكة وجميع مكونات المنطقة بما فيها «حزب الله»، فإن مسؤولية الرياض في هذا الخضم مضاعفة، باعتبار «داعش» هي الوجه «الجهادي» للوهابية، فيما هذه الأخيرة هي العمق الفقهي والعقائدي للداعشية.

فالحزب ومحوره لا مصلحة لهما بتغيير نظام الحكم في المملكة، وذلك على قاعدة أن البديل عن نظام آل سعود ليس سوى الوهابية بصورتها الداعشية، خصوصاً في ظل انعدام الحراكات المدنية والحزبية الفاعلة في السعودية، مقابل طغيان المد الوهابي الذي لن يتردد في الانقلاب على الأسرة الحاكمة وفض الشراكة معها متى ما سنحت الفرصة.

الخطر الوجودي الذي تحدث عنه السيد نصرالله لا يقتصر على «حزب الله» والشيعة، بل يتهدد أيضا السنة والمملكة على وجه الخصوص. من هنا، تَضَمَّنَ خطابُه رسالةً مفادها ان العامل العسكري وحده لا يكفي للوقوف بوجه المد الداعشي. فالمواجهة العسكرية من الممكن ان تؤدي الى إضعاف «داعش» والحد من فاعليتها وانتشارها، لكنها لن تؤدي الى استئصالها ما لم يكن هنالك اصلاحات جوهرية وتغييرات بنيوية في البيئة السعودية المنتجة لها.

خلاصة القول، إن خطورة المرحلة وضرورة الشفافية في التشخيص، فرضتا على «حزب الله» الاعتراف جهراً بأن المعضلة الداعشية سعودية المنشأ والولادة، وذلك بمعزل عما اذا كانت طبيعة العلاقة بين «داعش» ونظام الحكم في المملكة قائمة على أساس التآلف أو الاختلاف. فالاسلام الداعشي، بالدرجة الأولى، نتاج شراكة بين آل سعود والوهابية، ولا خيار لإبعاد الارهاب التكفيري عن الجميع، سوى عبر إعادة النظر بهذه الشراكة القائمة – في الداخل السعودي – على اساس احتكار الأسرة الحاكمة للسياسة، مقابل وصاية مطلقة لمشايخ الوهابية على الدين.