IMLebanon

«حزب الله» وصناعة الحرب من فيتنام إلى حلب

بذل «حزب الله» ومحوره جهوداً كبيرة لتلميع صورة مشروعه بأن يقدم نفسه منقذاً، تقياً، نصيراً للمظلومين، مقارعاً للظالمين وغيرها من الصور التي فضحتها التجارب وأسقطت أقنعة هذا المشروع.

في خطابه، باع «حزب الله» خصومه وهم تقبل الآخر والاعتراف بالإختلاف وتقدير قيم الديموقراطية والاقرار بها من دون ابطاء. هذا الخطاب الراقي – الوهم يمكن أن يطمئِنْ!، لكن عند الإنصراف الى التدقيق بالوقائع يظهر زيف الادعاء.

«معركة حلب هي إنتصار كبير لهذه الجبهة المدافعة ولمواجهة الإرهاب»، هكذا عبر الأمين العام لـ «حزب الله» السيد نصرالله عن تقديره للموقف من المعركة التي يخوضها حالياً في أقصى الشمال السوري. وغالباً ما تكون الحجه المقنعة للمضي إلى الحرب أشبه بنفير يدعو إلى التحرك لمصلحة حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب. هذا في الشكل، لكن المضمون مختلف. فأدبيات «المدافعة والمواجهة» التي يتحدث بها نصرالله اليوم، هي نفسها اعتمدتها الولايات المتحدة في حربها على فيتنام وأفغانستان والعراق، يوم كان «سيد المقاومة» يصفها بـ«الشر المطلق» وصاحبة «الاطماع».

يقول دانيال هيلين في معرض تقويم للإعلام المواكب لحرب فيتنام: «قامت الدعاية الإعلامية بنزع صفة الإنسانية عن العدو وجردته من كل الإنفعالات السهلة التمييز والدوافع وأبعدته من المجتمع الإنساني، وأضحى الفيتناميون الشماليون والفيتكونغ متعصبين وإنتحاريين ووحوشاً وغير متزنين، هم أدنى من مجرد مجرمين….. إنهم حثالة!!». إنها الآلة النفسية المستخدمة في تقنيات الحروب و«البروباغاندا الحربية» التي يستخدمها «حزب الله» في صناعة صورته «الراقية».

لكن ماذا لو انتهت «داعش»؟! ستغيب عن المشهد كل الصور التي استند اليها نصر الله في خطاباته مقدماً فريقه ودوره في سوريا على وجه النقيض. وستبقى صورة الشعب السوري ومدنه المدمرة ببراميل النظام المتفجرة وصواريخ الطيران الروسي ومدافن الشهداء، وأعداد الشهداء الذين قضوا إما ذبحاً أو رمياً بالرصاص أو تحت ركام منازلهم. إعتمد الأمين العام لـ«حزب الله» على بشاعة أفعال «داعش» ليثبت «سماحته»، مستفيضاً بالشرح عن صور الاعدامات والتنكيل وصنوف العذاب التي أذاقتها «داعش» لأسراها.

قدم نفسه ممثلاً لفكر يقبل التعدد والاختلاف مهاجماً «الفكر الذي يريد أن يفرض نفسه بالقوة». كثيرة هي الاختلافات حول قضايا الدين والمناسبات وأشكال إحيائها. لكن أن يصبح الاختلاف سبيلاً للقتل والتكفير فهذا بالطبع ما لا يمكن قبوله في عقل ولا دين. بعد الاستماع الى هذه الادعاءات تتهافت أسئلة من نوع: لماذا تفرض بالقوة فكرك وقناعتك بأحقية بشار الاسد في الحكم على شعبه؟

لماذا تفرض مشروع الولي الفقيه والامبراطورية الفارسية والدفاع عن مصالحها؟

لماذا تفرض خياراتك التي تريد وساعة تشاء، حرباً أو سلماً، على كل من اختلفت معه فكراً واجتهاداً؟ لماذا تغير ديموغرافيا وتشرّع «الترانسفير المذهبي» ومن ثم تتهم «العدو الصهيوني» بمحاولة تقسيم المنطقة، رغم أنه ليس بريئاً من هذه التهم؟

هم الثابتون على الحق دوماً!، فأين أصبحت فلسطين في سلم ثوابتكم؟ ولماذا اتجهت بندقيتكم الى صدور الشعب السوري؟

حتى في الداخل اللبناني، ألم يستخدم السلاح والتهديد سبيلاً لفرض «اجتهادكم» عندما اشتد الاختلاف؟؟!! ماذا عن الخطاب السياسي الذي لطالما استخدمت فيه تعابير كـ«قطع الايدي» في معرض التهديد لكل من يريد النقاش بالسلاح غير الشرعي؟ وماذا عن إستخدام العنف والإنقلاب العسكري كما حصل في السابع من أيار عام 2008 الذي ذهب ضحيته عشرات الشهداء؟

استخدمت امكانيات ضخمة من قنوات تلفزيونية واذاعية وصحف في صناعة الصورة المحتكرة للقيم وتجريد الآخر منها. دائماً ما يتجاهلون الاتهام «بالاغتيال» كما هو حاصل مع المحكمة الدولية التي تحاكم 5 من قيادات «حزب الله» بإغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق الشهيد رفيق الحريري. اغتيال الضابط في الجيش اللبناني الشهيد سامر حنا. قضية ميشال سماحة ودوره الارهابي. استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لاثارة الفتن والتحريض كالدور الذي تكفل به موقع «أحرار السنة». كلها قضايا عالقه ترتبط بدور «حزب الله»، ونفوذه عائق في وجه العدالة.

الاستثمار السياسي والإعلامي بأفاعيل «داعش» مستمر. استخدام قيم حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب كذريعة ما هو الا تضليل تمارسه منظومة إعلامية تستخدم أسلوباً دأب صنّاع الحروب تاريخياً على استخدامه ليصدقهم أتباعهم وليستمروا في طريق الفشل الحقيقي حيث يفشلون في صنع السلم .

قال فولتير يوماً: «طالما استمر الناس في تصديق السخافات فسيستمرون في ارتكاب الفظائع». واجهوا فظائعهم برفض سخافاتهم.

(❊)عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»