بعد تعطيل مشاريع الوزير جبران باسيل الثلاثة، تارة بالرفض الكامل وطوراً بوضع الملاحظات التعجيزية، إنتقل «حزب الله» للمرة الأولى منذ بدء النقاش الانتخابي إلى الطرح الواضح لصيغة النسبية على أساس لبنان دائرة إنتخابية واحدة.
هذا الطرح يأتي في حشرة تتسابَق فيها المهل الدستورية مع التطورات المتسارعة في المنطقة، التي يرى فيها «حزب الله» نذيراً يجب استباقه بترجمة واضحة لبنانيّاً، من خلال قانون الانتخاب، الذي يؤمّن له حضوراً في كل الطوائف، والذي يحوّله الى سيّد المجلس النيابي.
ولم يكن كلام الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله سوى خطوة على طريق هذا الهدف تحمل طابع المعجّل المكرّر، وهي تمثّل ضغطاً على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي لا يبدو أنه يؤيّد هذه الصيغة فعلاً، علماً أنه سبق له أن طالبَ بها في عزّ الحملات السياسية قبل انتخابه رئيساً.
تلخّص أوساط مطّلعة على موقف الحزب لتمرير النسبية بالآتي: ضغط على عون، وترغيب للرئيس سعد الحريري، وإغراء للنائب وليد جنبلاط بإنصافه في التحالفات، وترهيب لـ«القوات اللبنانية».
وتضيف الأوساط أنّ الضغط على عون يتمثّل في انّ تعطيل الموافقة على أي صيغة انتخابية سيؤدي الى ضرب عهده في المهد، وهذا عامل موجِع لعهد بدأ بالتبشير بقانون عادل وبإجراء الانتخابات النيابية وبرفض التمديد. أمّا ترغيب الحريري فينطلق من أنه سيكون قادراً على الاحتفاظ بالكم الأكبر من كتلته النيابية وفق هذه الصيغة، بغضّ النظر عن نتائجها على المستوى الوطني العام على قاعدة المثل الشعبي: «بطيخ يكسّر بَعضو».
وتستمر أوساط قريبة من «حزب الله» في تسريب «موافقة» الحريري على النسبية الكاملة، من دون ان يَنفي الاخير، وهذا ما يعزّز القول انّ رئيس الحكومة يستمتع هذه الايام باللعب على أعصاب حلفائه، وخصوصاً «القوات اللبنانية»، كذلك يستمتع بإحراج «التيار الوطني الحر» الذي يرفض هذه الصيغة اليوم بعدما زايَد بها واعتاشَ منها طوال الفترة الماضية، وبالاضافة الى ذلك فإنّ الحريري يهدف تكتيكيّاً الى وضع «التيار» في مواجهة «حزب الله» لأنه يدرك أنّ مصلحتهما في قانون انتخاب واحد لا تلتقي.
امّا النائب وليد جنبلاط فيحاول الحزب طمأنته إلى النسبية الكاملة من خلال ضمانات في التحالفات لا تؤدي الى تقزيم حضوره النيابي، وهذا ما لا يَلقى قبولاً لدى جنبلاط المصَمّم على نيل الضمانات من خلال قانون الانتخاب، لا من خلال التحالفات المتغيرة.
تبدو اللحظة مؤاتية، وفق الأوساط، ليضرب الحزب «ضربته الكبيرة» ويصل الى قانون انتخاب يعطيه الاكثرية النيابية. لكنّ دون هذا الهدف عراقيل كبيرة، فموقف عون، على عكس ما يُشاع، متوَجّس من النسبية الكاملة، امّا «القوات اللبنانية» فتعتبرها تكريساً للديموقراطية العددية المرفوضة، وقد كانت هذه الصيغة محور لقاء الدكتور سمير جعجع مع الحريري الذي طَمأنه الى انه متمسّك بالصيغة المختلطة، ولا يخفي قريبون من «القوات» معارضتهم النسبية الكاملة على أساس الدائرة الواحدة، ويقولون: «كما عطّلَ «حزب الله» الصيَغ الثلاث التي تَقدّم بها باسيل، سنعطّل النسبية الكاملة التي يطرحها.
فالمسيحيون لن ينتخبوا وفق هذه الصيغة أكثر من 40 نائباً، فيما الصيغة المختلطة تؤمّن لهم 55، وهي الأقرب الى التوازن الوطني، وهي التي ناضلوا من أجلها لاستعادة حضورهم في الدولة».
فهل ينجح «حزب الله» في جَرّ الجميع الى النسبية الكاملة؟
تقول الاوساط إنّ الحزب سيستعمل كل عناصر الضغط التي يملكها من أجل تأمين هذا الهدف، فهو يتحرك على إيقاع التطورات المتسارعة في المنطقة، وما يستطيع فرضه اليوم ربما لن يستطيع تحقيقه غداً اذا ما تغيّرت موازين القوى في المنطقة.