IMLebanon

«حزب الله» يعلن عن قتلاه بـ «التقسيط المريع»

في غفلة من الزمن يتحوّل الموت إلى عادة يوميّة وتُصبح فيه الحياة رهن إشارة من قيادة حزبية ما عادت ترى في عناصرها سوى مجموعة من الأرقام تهوى لعبة العد التنازلي وكأنهم يضجرون من حياة لا جديد تمنحهم إياه سوى أكفان موت ملوّنه بلون الدماء وأجساد مُمدّدة داخل نعوش خشبية تُغلق على آخر نافذة حلم تُشبه فرحة أطفال ينتظرون عودة آبائهم وأشقائهم عند عتبة منزل تشهد على أمنياتهم وضحكاتهم ودموعهم.

هو الموت العابر إلى القرى والبلدات التي ينتمي اليها جمهور «حزب الله». يزور بيتهم ليحصد منهم خيرة شبابهم ثم يعود ويتركهم لأوجاعهم وأحزانهم. في المقابل يُصر الحزب على جعل جمهوره يكتوي بنيران حروب يبتكرها ويُلاحق شرارتها من مكان إلى آخر ليعود في كل فجر ويزّف اليهم أخباراً موجعة وروايات من نسج الخيال عن «الواجب الجهادي» الذي تحوّل إلى مسلسل رعب لا نهاية له يروي قصة بيئة يُلاحقها الموت من حلقة إلى أخرى.

تتكرّر الاخبار وأحياناً تتشابه الأسماء. حكايات يوميّة تُسمع بدايتها في الضاحية الجنوبية والبقاع وقرى الجنوب من دون ان تجد لنفسها خاتمة. أمس الاول أعلن «حزب الله» للمرة الألف وربما أكثر عن سقوط عنصرين له في سوريا هما عباس حسان واحمد صالح وكان سبقهما بيومين تشييع مجموعة من عناصره كانوا سقطوا في سوريا وآخرين لم يُعلن عنهم حتى اليوم بإنتظار اعلام اهاليهم وتهيئة الاجواء المناسبة، وكانت مواقع إلكترونية مؤيدة للحزب ذكرت ايضاً مقتل ما لا يقل عن عشرة عناصر للحزب خلال يوم واحد في سوريا من دون أن يُعلن عن أسمائهم.

بالأمس غابت أحداث تفجيري برج البراجنة عن مُذكّرة «حزب الله» بالكامل بعدما استبدل مشاهد عائلات الضحايا وآلام الناس المنكوبين وأوجاعهم، بنعوش آتية من خلف الحدود كان أرسلها تحت حجّة حماية الحدود ثم المقامات الدينية قبل أن تجد نفسها تدافع عن نظام مبتور ارتكز على جثثهم منذُ ان سخّرتهم قيادتهم لخدمته وبقائه. ووسط الإلتفاف على أوجاع الناس يعتمد الحزب سياسة «التقسيط المؤجّل» و»المريح» في الاعلان عن عناصره الذين يسقطون في الحرب السورية، فالإعلان يتم على مراحل وكأنها محاولة لإمتصاص نقمة الناس وغضبهم من موت يُلاحقهم ويُحاصرهم من كل الجهات وحتّى داخل بيوتهم وأرزاقهم، وهو السبب الرئيس والأساس الذي يأخذ أبناء هذه البيئة إلى حنين لزمن كان للشهادة وقع يُشبه مواقع «جبل الرفيع» و»سجد» و»الدبشة» ومعبر «بيت ياحون»، لكن هذه البيئة لا تلبث أن تعود وتصحو من أحلامها لتستفيق على رحيل أحد أفرادها.

إلى اليوم تغيب الإحصاءات الرسمية لعدد عناصر «حزب الله« الذين سقطوا في سوريا منذ بداية الثورة ولغاية اليوم رغم أن المعلومات تُشير إلى أن العدد قارب الالف وخمسمئة مقاتل واكثر من ثلاثة آلاف جريح ، ومع هذا لم يخرج حتى الساعة عن مؤسّسة «الشهيد« التابعة للحزب أي رقم مُحدّد، بل على العكس، فهناك من يقول إن تلاعباً وتفاوتا في أعداد القتلى بين ما يُعلنه السيد حسن نصرالله في كل إطلالة وبين ما تؤكّده الوقائع الميدانيّة في سوريا وعمليّات التشييع التي تقوم بها عائلات هؤلاء العناصر، خصوصاً أن أي مُراقب لسير المعارك التي تدور في سوريا يُمكن أن يُلاحظ أن عدد الذين شيّعهم الحزب من ثلاثة أشهر فقط ولغاية اليوم، يفوق الثلاثمئة عنصر.

موت جرى الترخيص له يوم أعلن الإستعداد لـ «التضحية بثلثي أبناء الطائفة الشيعية مُقابل أن يعيش الثلث المُتبقي بكرامة» وقد ترافق مع الإعلان هذا، تحويل كل مجالس العزاء لعناصر «حزب الله» إلى حلقات وعظ أساسها الدعوات إلى التأقلم مع الموت، دعوات تغفل التورّط والنزف القاتل تماما كما تتغافل في الرد عن مجموعة أسماء لقادة كبار من زمن المقاومة ضد إسرائيل جرّهم الحزب ليُقتلوا في أحياء سوريا وزواريبها تحت عناوين وخلفيات ابتكرها هو، مرّة دعاهم فيها لحسم الصراع في «القلمون» ومرّات «الجرود» ثم «الزبداني» واليوم في ريفي «إدلب» و»حلب» والتلميح أيضاً بالعودة إلى القرى الحدودية اللبنانية خصوصا في ظل الخسائر والنكبات التي يتكبدها.

صرخات خجولة لم تجد طريقها بعد إلى مسامع قيادة «حزب الله« تدعو إلى وضع حد للنزف القاتل وإلى إيجاد مخرج يُجنّب عائلات تدفع ضريبة الدم نتيجة سياسات لا طريق لها سوى عبر النعوش، ومن رحم الفاجعات إلى سياسة «التعميات « تستعيد بيئة الحزب كلاماً للسيد حسن نصرالله يقول فيه «لا نريد أن يأتي يوم ويُصبح فيه قتل الفلسطينيين بالنسبة إلينا أمراً عاديّاً»، لتسأله بدورها اليوم: هل أصبح قتل أبنائنا أمراً عاديّاً؟.