يُحكى الكثير عن الوفاء والصدق المتبادلين بين السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون. ولكن القول إنّ حزب الله يريد انتخاب عون لهذا السبب فقط، يكون تبسيطاً للموضوع. المصلحة تكمن في أن يصل رئيس للجمهورية طرف في الصراع الدائر في المنطقة
ما يعتقد قادة فريق 14 آذار أنه «تُهمة»، هو «مفخرة» لحزب الله. يرفع هؤلاء سبابتهم، مجاهرين بأنّ الحزب «يُعطّل انتخاب رئيس للجمهورية». في حين أنّ أمينه العام حسن نصرالله يقول بالفم الملآن، «نحن نُعطل انتخابات الرئاسة».
يعتقد «ثوار الأرز» أنهم بخطابهم يُضيقون الخناق على الحزب محلياً، ودولياً حيث ملعبهم الواسع. «أجندة التعطيل» التي يعمل وفقها الحزب مختلفة. كان واضحاً نصرالله حين أعلن في آخر إطلالةٍ له: «عندما تُعقد الجلسة المقبلة لانتخاب الرئيس، ستحضر كتلة الوفاء للمقاومة بكامل أعضائها وستنتخب العماد ميشال عون، رئيس تكتل التغيير والإصلاح، رئيساً للجمهورية». عند منتصف نهار اليوم، أو بعده بقليل، سيفك الحليف الأول للتيار الوطني الحر الحصار المُطبق على رئاسة الجمهورية بعد سنتين ونصف السنة من التعطيل وسيُنتخب رئيس فُرض من لبنان على الدول الإقليمية التي قبلت السير بالتسوية. ها هو الموفد السعودي إلى لبنان، وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان يجول على القيادات اللبنانية، عله يكسب «صورياً» ما عجزت المملكة العربية السعودية عن تحصيله على أرض الواقع. يُخيل للمرء أن الأمين العام لحزب الله يجلس في مقر إقامته، أساريره منشرحة بعد أن تمكن من تسجيل هدف الرئاسة في مرمى الخصوم. وبعد أن كان «تعنته» حول خياره الرئاسي سبباً أساسياً في الوصول إلى هذه النتيجة.
ولكن لماذا يستحق انتخاب ميشال عون تعطيل البلاد لسنتين ونصف السنة، يصل حزب الله إلى نهايتها ليجد نفسه في موقع المساءلة من قبل جمهور التيار الوطني الحر، ما يضطره إلى القول إنه مستعد ليكشف أوراق أعضاء كتلته الانتخابية خلال جلسة الاقتراع؟ لا بل أكثر من ذلك، يعرض أن يجلس نواب من تكتل التغيير والإصلاح إلى جانب نواب الوفاء للمقاومة حتى يتأكد هؤلاء من أن الحليف وفى بوعده. حزب الله حزب سياسي يُشبه، نوعاً ما، غيره من الأحزاب. لديه أهدافه وتطلعاته والتحديات التي يواجهها وقد تصل في بعض الأحيان إلى حدّ التهديدات. حاول تدعيم وجوده بتحالفات تطال كل الشرائح الطائفية اللبنانية. نجح في ذلك، فيما بقي «غريباً» عن الساحة «المسيحية». وصولاً إلى شباط الـ2006، تاريخ توقيع اتفاق مار مخايل. لدى السؤال عن سبب دعم حزب الله لعون، أول ما يتبادر إلى ذهن مصادر في 8 آذار هو «الوفاء». سبب لا يجب، من وجهة نظرها، الاستخفاف به. العامل الثاني الذي تذكره المصادر هو المصداقية. أي جهة، حليفة أم خصمة، «تعرف أنّ حزب الله يلتزم بتحالفاته»، ولن يُبدل الحزب عاداته في تجربة الانتخابات الرئاسية. تنقل المصادر أنّ «الحزب يعرف أنه في السياسة قد يجد فرصاً أفضل له، ولكن ما الذي سيُميزه عن باقي القوى إن كان سيُغير خياراته وفق مستجدات مصلحته؟ وأي فريق سيكون متشجعاً للتحالف معه؟». في الإطار نفسه، تقريباً، يأتي العامل الثالث وهو «التزام السيّد الشخصي بخيار عون». يفخر حزب الله بأن الصدق هو سمته، «العدو يعترف له بذلك». وعلى مدى سنوات طويلة «تعرض الحزب لحملة شرسة ووضع على لوائح الإرهاب، ليس من أجل أن «يأتي في الآخر ويُساهم هو في تشويه صورته؟». من عناصر القوة لدى حزب الله «هي صورة السيّد».
رابعاً تحل ورقة التفاهم مع التيار الوطني الحر في الـ2006. منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وُضع حزب الله في قفص الاتهام وعملت القوى الغربية من خلال جهودها وباستعمالها أدواتها المحلية على عزله. ضُيق الخناق عليه داخل بيئته. أُقفلت الأبواب «السنية» في وجهه. جرت محاولات لدق الإسفين بينه وبين حليفه حركة أمل. فأتى تحالف مار مخايل «ليكون إنجازاً في غاية الأهمية مستمراً منذ 10 سنوات». كانت الظروف مؤاتية «لضرب قوة حزب الله، ففُتحت كوة في الجدار اسمها التفاهم مع ميشال عون. طبيعي أن يكون الحزب ملتزماً هذا الخيار»، استناداً إلى مصادر 8 آذار. العامل الأخير يخرج من إطار العاطفة والعرفان بالجميل والأخلاقيات. فلا بدّ من الحديث عن مصلحة حزب الله بانتخاب رئيس «ينسجم معه في مشروعه الإقليمي، وقد أظهر عون هذا الالتزام في موقفه من حرب تموز والحرب في سوريا». تشدد المصادر على أنّ «حزب الله عطل المجلس النيابي حتى تضطر السعودية لأن توافق في النهاية على مرشح هو طرف في الصراع في المنطقة». على الرغم من أن «الانتخابات الرئاسية نتجت في نهاية المطاف عن حلّ لبناني ــ لبناني»، لا تبدو المصادر خجلة وهي تُقر نيابة عن حزب الله بأنه «تصرف وفقاً لمصلحته مئة بالمئة». ألم تكن هذه المصلحة لتتحقق أيضاً مع سليمان فرنجية؟ ترد المصادر بأن تعاطي حزب الله مع الحلفاء «كان بناء على احترام وتقدير للمرشحين الرئاسيين». بيد أنّ عون فاز بالحصانة «لأن الحزب التزم معه قبل فرنجية، ووفقاً للقراءة السياسية كان هو الأنسب». مشكلة فرنجية أنه «اختير من قبل قوة محلية مؤيدة للسعودية، التي أُجبرت على إرسال السبهان إلى لبنان حتى لا تكون خسارتها صافية». لم يكن نقل حزب الله البارودة من كتف عون إلى كتف فرنجية ليمر من دون تداعيات هائلة. الأمر لا يتعلق فقط بمن هو أحق بتمثيل «الخط». ولكن، ما كان سيكون موقف حزب الله لو قرر بعد 10 سنوات من التحالف مع أكبر تكتل «مسيحي»، مرّ بمحطات مفصلية أثبت خلالها صموده وصدقه، فك هذا الارتباط ليربح الرئاسة ويخسر توازناً حكومياً ونيابياً؟ عشر سنوات من الشراكة الحقيقية كانت ستُهدم، وكان عون سيُدفع من جديد إلى أحضان فريق 14 آذار بعد أن لا يكون قد بقي له ملجأ آخر. انطلاقاً من هنا، تُفهم كل محاولات حراس «ثورة الأرز» العزف على نغمة أن حزب الله لم يكن يريد عون رئيساً.