ثمة سياسة عقيمة مُجردة من كل الضوابط الإنسانية المعروفة، يُمارسها «حزب الله» في ما يتعلق بالوضع ككل في سوريا، وتتماهى ممارسته هذه مع سياسة الغطرسة ونبش الأحقاد التي ينتهجها في عسكرته ضد الشعب السوري وخصوصاً بحق أبناء حلب الذين لم يعد لهم إلّا الله لكي يلجأوا اليه بعدما لفظتهم عدالة الأرض، لكي ينجوا من الإجرام والبطش اللذين يُمارسهما «حزب الله» بحقهم بعدما اجتمع عليهم مع بقيّة الأحزاب والميليشيات العراقية والإيرانية وراحوا يُسموّن قتلهم وعمليّات إبادتهم، انتصاراً.
هذه السياسة التي تتكامل مع جرائم القتل والتنكيل بحق الشعب السوري، مارستها أمس كتلة «الوفاء للمقاومة» في بيانها بعدما راحت تصف قتل المدنيين والمجازر التي تُرتكب بحقهم، وجزء كبير منهم، من الأطفال والنساء، بـ«الإنجاز المفصلي». فعار على زمن تتحوّل فيه دماء الأبرياء، إلى مادة «نصر»، يتم استخدامها كدعاية لرفع المعنويّات على وسائل إعلام «الممانعة» وعلى ألسنة سياسيّيها وفي بيانات كُتل نيابية ترى بعينها الواحدة، أن مشاهد الجثث والأشلاء، وبكاء الأيتام وأنين الأطفال وأصوات الاستغاثة التي تُسمع من بين الدمار ومن تحت الركام، من شأنها أن «تضع حداً للمراهنة على مشروع تقسيم سوريا الذي أراد أعداء الشعب السوري أن يتخذوا لهم من حلب قاعدة انطلاق لإسقاط سوريا وتفكيك أوصالها».
يذهب هذا النهج العقيم الذي تُمارسه «الوفاء للمقاومة»، إلى أقصى حدوده وينكشف على حقيقته بشكل يصل إلى حد الاشمئزاز والاستفزاز، من خلال انتقاء الجمل والعبارات التي تُمجد نظام قاتل له بصمة فارقة في عالم الإجرام وعمليات الإبادة الجماعية، وذلك في تصوّر لها يذهب إلى حد اعتبار حال مدينة حلب المنكوبة وعمليات ترحيل أهلها عنها والمجازر التي تُرتكب في أحيائها، بأنه «انتصار كشف حجم التواطؤ، والرهان الدولي والإقليمي على فصائل الإرهاب التكفيري التي جاؤوا بها من مختلف أقطار العالم ليستخدموها من أجل تحقيق مشروعهم العدواني على سوريا وشعبها وجيشها ودولتها».
الإرهاب الذي يتحدث عنه «حزب الله»، إنّما يطال البلاد العربية من دون تفرقة بما فيها لبنان، ويطال أيضاً عدداً من الدول الأوروبية، لكنه لم يظهر حتى اليوم في إيران، فعلى الدوام كان يطل هذا الإرهاب على الإعلام ليُطلق تهديده ووعيده بحق إيران والنظام السوري، لكن التنفيذ على الأرض، إنما يطال دولاً عربية وخصوصاً السعودية التي ما زالت تنال النصيب الأكبر من إجرام هذا الإرهاب وتحديداً مساجدها التي أصبحت مقصداً ومسرحاً للعمليات الانتحارية.
وقبل أن تختم «الكتلة» بيانها في الشق المتعلق بسوريا، تنعطف قليلاً عن مسار الضلال لتتباكى على اليمن وتندد بـ«الصمت الدولي والإقليمي المريب إزاء المأساة الإنسانية التي يعانيها الشعب اليمني جراء استمرار العدوان الأميركي – السعودي عليه ومحاصرته».
غريب تباكي «حزب الله» على اليمن رغم إدراكه حجم التدخل الإيراني هناك ومع مفارقة بسيطة، أن هذه الدموع لم تُذرف على أطفال «دوما» الذين قُتلوا حرقاً بفعل نيران براميل الأسد المتفجرة، ولا على أهالي «مضايا» الذين هُجّروا بعدما أُجبروا على استبدال منازلهم بالغذاء والدواء، ولا هي تُذرف اليوم على ما يحصل في حلب التي تلقى القتل والتدمير والتهجير والتنكيل، على يد الحزب وأعوانه.
والختام مع العودة إلى حلب، حلب المقتولة والمسلوبة. حلب التي تحترق أرضها وسماؤها وكأن عذاب الآخرة ينطلق من أرضها. لا تصدّقوا الصور التي تخرج من حلب والتي تُظهر حجم الفاجعة هناك، ولا تغضبوا لقتل الصغار والكبار في حلب على يد سفّاح واحد تعددت أسماؤه. لا تنشروا مشاهد الموت في الإعلام ولا على مواقع التواصل ولا تركنوا للأخبار التي توثّق عمليات الإبادة والتهجير، فلكتلة «حزب الله» رأي مُخالف يقول «إن تلطي المتآمرين خلف حرصهم الكاذب على الوضع الإنساني في حلب لن يخفي دعمهم وحمايتهم لآلاف الإرهابيين المرتزقة الذين يُراد تأمين سلامتهم على حساب الشعب السوري وأمنه واستقراره».
اليوم في سوريا، لم تعد الحرب التي يخوضها «حزب الله» محددة ببقعة، سواء أكانت قرية أو محافظة أو مدينة كحلب، إذ إن كل الجغرافيا السورية أصبحت مسرحاً لتدخله العبثي دعماً للنظام البعثي، ومعها تحوّل سقوط عناصره ومدنيين سوريين، إلى خبر يومي، يمر بشكل اعتيادي على شاشات التلفزة وصفحات الجرائد ما عدا «ماكينة» الحزب الإعلامية والدعائية التي تقودها الكتلة «الموّقرة». «الكتلة» في واد وجمهورها في واد آخر. الجمهور ينتظر عودة الأبناء والآباء والأشقّاء سالمين، إمّا إلى منازلهم، وإمّا إلى المُستشفيات لا إلى مثواهم الأخير. وبين الأمنيتين، تبقى حلب أبرز محطات الحقد الذي يُفرغه محور «الممانعة»، وسيُسجل التاريخ، أن من ادّعى ذات يوم، حُرصه على تحرير الشعوب ونصرة المظلوم ورفع رايات «المقاومة»، قد سجّل اسمه بالقلم العريض، على كشوفات مجازر حلب وحفر صورة إجرامه في عقل كل طفل أقسم العودة إلى وطنه، ولو بعد حين.