تنتظر حكومة الرئيس سلام في الأسابيع القليلة المقبلة معضلة جديدة إفتتح السجال بها منذ الان وهو موضوع تعيين القادة الأمنيين والذي إختار تكتل التغيير والإصلاح المواجهة وإن إضطر لخوض المعركة منفرداً كما قال الجنرال عون في خطبته الأخيرة.
الا ان هذا الموضوع مهما حاول رئيس الحكومة تمام سلام تأجيله أو الرئيس نبيه بري تدوير زواياه سوف يبقى «فتيل» تفجير تقول مصادر متابعة، لن يتردد الجنرال بسحب الصاعق منه إذا لم يتم الإنصياع لرغبته بتعيين قادة أمنيين جدد بحسب ما تفرضه القوانين والأصول مقابل «الطرح المضاد» الذي يقول بعدم جواز تعيين قائد للجيش في ظل الشغور الرئاسي الموجود لأن الأعراف درجت على ان رئيس الجمهورية هو الذي يعين قائدا للجيش وبالتالي هذه الفرضية غير متوافرة حاليا لتعذر إنتخاب رئيس للجمهورية، وعليه يبقى «التمديد» هو الحل الأمثل برأي هذه الفئة التي تتلاقى مع الطرح الوسطي الثالث الذي يقوده الرئيس بري عن ان الأولوية هي لتعيين قادة أمنيين جدد ولكن في حال تعذر تحقيق ذلك فإن «أبغض» الحلال يكون بالتمديد الذي يُبعد شبح الفراغ الأمني الذي هو الأخطر في هذه الظروف التي يمرّ بها البلد في مواجهة الإرهاب التكفيري على الحدود.
مصادر وزارية متابعة لملف التعيينات تشير إلى أن الإتجاه داخل 8 آذار لم يكن موحدا تجاه طرح العماد عون وهو التلويح بورقة الحكومة «كورقة ضغط» يشهرها في وجه 8 و14 اللذين يتمسكان ببقاء الحكومة كونها السلطة الرسمية الوحيدة المتبقية وإن كانت تعيش على التنفس الصناعي مقابل الشغور الرئاسي والتعطيل التشريعي الذي كان التيار الوطني شريكا أساسيا فيه وبناء عليه لن يكون موقف تيار «المردة» أو «الطاشناق» أو حركة «أمل» في نفس سياق الجنرال عدا عن الموقف «الداعم» لحزب الله تجاه حليفه الجنرال عون و-إن كان على مضض- كون قناعة الحزب هي بعدم زعزعة الإستقرار الحكومي أقلّه في هذه الفترة التي يحتاج فيها حزب الله لغطاء رسمي وشعبي وعسكري وهو يخوض أشرس معاركه وأكثرها دقة وحساسية أي في» القلمون»، وهي المعركة التي سترسم مسار المرحلة المقبلة سياسيا وعسكريا إلا أن «عناد» الجنرال وتصلب موقفه في هذا الموضوع تضيف المصادر، دفع بالحزب إلى السير خلف الجنرال بطروحاته المقبلة من دون أن يحرج الأخرين في 8 آذارأو يدفعهم بتعديل مواقفهم وهذا ما نقله الحزب إلى «عين التينة» وإلى «بنشعي» في الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد من حزب الله إلى سليمان فرنجية حيث وضعوه بصورة اللقاء الأخير بين السيد والجنرال كونه الحليف المشترك لكليهما، وإن كانت «حرارة التواصل» بين «الرابية «وبنشعي» تبدو اليوم شبه مقطوعة نتيجة الإختلاف في وجهات النظر حول أمور كثيرة منها ملف التعيينات الأمنية.
أما من جهة الخصوم وتحديدا تيار «المستقبل» الذي فتح معه الجنرال قناة حوار وتواصل فإن موقفه يبدو «ضبابياً» بحسب المصادر فبعد الكلام الذي صدر عن عون بأن الحريري في لقائه الشهير معه في «بيت الوسط» أخبره بقبوله المبدئي بتعيين العميد شامل روكز في قيادة الجيش مقابل تعيين عماد عثمان خلفا للواء إبراهيم بصبوص في الأمن الداخلي والذي تنتهي ولايته في مطلع حزيران وهو الموعد الرسمي لحسم هذا الملف إما «تمديداً» في حال تعذر الإتفاق، أو «تعييناً» إذا ما حصل التوافق الذي يبدو لغاية اليوم صعب المنال.
مصادر في تيار المستقبل إعتبرت أن الرضوخ لرغبة الجنرال بتعيين صهره العميد شامل روكز في قيادة الجيش دونه عقبات كثيرة تتخطى تيار المستقبل وحلفاءه بل تصل إلى حلفاء الجنرال في 8 آذار وهو أمر يدركه الجنرال جيدا الأمر الذي أثاره مع السيد نصرالله في لقائه الأخير وحاول «إستمزاج» رأي الرئيس بري عند زيارته في عين التينة وحتى لقائه الشهير مع النائب وليد جنبلاد في كليمنصو الذي لم يبدِ إعتراضا على تعيين العميد روكز إذا ما حصل توافق سياسي حوله والسؤال في حال عدم حصول التوافق أو عدم وجود أغلبية الثلثين في مجلس الوزراء ماذا سيكون موقف الجنرال وهل سينفذ تهديده ويعلّق عمل وزراءه في الحكومة وإحتمال إنضمام وزراء حزب الله ماذا سيحقق ؟ تقول مصادر وزارية إن حزب الله طلب من العماد عون التريث قليلا قبل إعلان خطوة الإعتكاف ريثما تمضي هذه الأيام الحساسة التي يخوض فيها الحزب معركة القلمون كما أنه لا يزال هناك وقتا قبل حسم موضوع التمديد في مطلع حزيران وبعدها سيكون الحزب خلف الجنرال في خطواته مهما كان كما إعترف الحزب للجنرال بانه لا يستطيع إقناع الحلفاء وخاصة الرئيس بري أو سليمان فرنجية بالإنضمام لهما لإعتبارات كثيرة وعليه يجب أن يأخذ الجنرال بالحسبان أن الحزب سوف يقف معه لوحده من 8 آذار، في المقابل نقل عن الرئيس سلام حرصه الشديد على موضوع الاستقرار الحكومي وأنه لن يوفر جهدا من أجل الحفاظ على مؤسسة مجلس الوزراء التي تبدو آخر معاقل العمل الرسمي في البلد وعليه فإنه واثق من أن خطوة الجنرال في حال إتخذها لن تؤثر على وجود وإستمرار الحكومة كون أكثر الفرقاء متمسكين بها وبهذا يكون الجنرال قد أحرج نفسه وحلفاءه بهذه التصرف الذي يعتبر قفزا في المجهول ويذكّر أحدهم عندما إتخذت قوى 8 آذار هذه الخطوة في عهد الرئيس السنيورة لم تحقّق شيئا بل بالعكس تمّ حينها تمرير قضايا مهمة لم تكن في صالح الوزراء «المعتكفين». وهو ما جعل الرئيس سلام يؤكد أنه لن يطرح بند التعيين على جدول مجلس الوزراء قبل حصول التوافق عليه من كل الفرقاء السياسين نظرا لأهمية الموضوع وحساسيته.
يخوض الجنرال عون معركتين قاسيتين وعلى جبهتين: الأولى وهي التي تبدو أكثر إلحاحا بالنسبة له وهي معركة تعيين قائد للجيش كونها أقرب زمنيا ًولأنه قد أدرك من خلال مراقبة الوقائع على الأرض أن موضوع الإستحقاق الرئاسي قد وضع في الثلاجة لإشعار آخر وبهذا يكون التفكير بالتعيينات الأمنية أكثر واقعية ولو أن «خصوم» الجنرال لن يفوّتوا هذه الفرصة «لإبتزازه» سياسياً كون المناصب التي يحارب لأجلها تحتل المرتبة الأولى في السياسة والعسكر أما عن الحلفاء فإن المواقف تختلف بين «داعمة» و«مترددة» لأن المسألتين لا يمكن تمريرهما بشكل أحادي دون حصول موافقة الأغلبية وعليه يبدو أن الجنرال مقبل على مواجهة قاسية وعلى أكثر من محور، فمن سينصره وماذا ستكون النتيجة؟ هذا ما ستكشفه الأسابيع المقبلة.