Site icon IMLebanon

«حزب الله» على مفترق «النووي».. وأمن إسرائيل

انتهى «ماراثون» التوقيع على «الاتفاق النووي» بين إيران ومجموعة الـ»5+1». وكما جرت العادة، فإن أصحاب البشرة السوداء والسمراء يملكون القدرة على الركض وإحراز اللقب. هكذا فاز الرئيس الأميركي باراك أوباما باللقب وبكأس «التوقيع»، ليهديه الى «الإصلاحيين» في إيران، أصحاب المشاريع المتمايزة عن مشاريع السيّد علي خامنئي والحرس الثوري. وهكذا، وبدهاءٍ وخبثٍ كبيرين، نجحت الإدارة الأميركية في تحويل الخلاف والسجالات بين إيران والمجتمع الدولي الى صراعٍ داخل البيت الإيراني الواحد.

مشروعان داخل إيران ظهرا بوضوح قبيل وعقب التوقيع على الاتفاق النووي. المشروع الأول يقوده الرئيس حسن روحاني بدعمٍ من الفريق الإصلاحي والمجتمع الدولي، يهدف الى تحسين الاقتصاد الداخلي، لتصبح إيران قوة اقتصادية عظمى (على الطريقة التركية). والمشروع الثاني، يقوده السيّد علي خامنئي مدعوماً من الحرس الثوري داخلياً و«حزب الله إقليمياً، ويهدف الى تصدير الثورة كسبيل لفرض النفوذ، حتى لو جاع الشعب. 

شهد يوم السبت الماضي خطابين كانا بمثابة التجسيد الواقعي لهذين المشروعين. خطاب صباحي للسيّد خامنئي، قال فيه إن «الاتفاق النووي مع القوى العظمى لن يغيّر سياسة إيران في مواجهة الغطرسة الأميركية، ولا في دعم إيران لأصدقائها في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق واليمن والبحرين». وحديث مسائي للرئيس روحاني، أكد فيه أن «الاتفاق النووي يؤدي الى توثيق العلاقات بين إيران والجيران العرب». 

من المؤكد أن الأمر يتعدى تقسيم الأدوار بين رأسَي النظام الإيراني. فإذا نجح مشروع الإصلاحيين، المدعومين من الغرب، فسيشكّل ذلك انتكاسة كبيرة للمحافظين، الساعين الى توسيع حروبهم تمهيداً لفرض النفوذ.

وبين هذين الخطابين والمشروعين، يقف «حزب الله« على مفترق طرق يحدّد مصيره ومستقبله. فكيف يقرأ «حزب الله« الاتفاق النووي؟ وما هو موقفه من تجاذبات البيت الإيراني؟ وما هي هواجسه الفعلية؟ 

في عام 2013، وعقب انطلاق المفاوضات المباشرة بين إيران و»الشيطان الأكبر»، أطلّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد نصرالله في خطاب عاشورائي، ليشمت بـ»14 آذار» على اعتبار أن «الأميركيين باعوا جماعتهم». يومها لم يعبّر حديثه عن شماتةٍ بالفريق الآخر بقدر ما كانت رسالة الى إيران التي «لن تبيع جماعتها». وقبل أيام على توقيع الاتفاق، قال السيّد في خطابه بمناسبة يوم القدس إنه «لو أعطوا إيران كل ما تريده في الملف النووي وما لا تحلم به، شريطة اعترافها بوجود دولة إسرائيل، فإن جمهورية الإمام الخميني بقيادة السيّد خامنئي وبحكومتها وبمجلس نوابها، لن توافق على بند من هذا النوع». وعقب التوقيع على النووي، وبينما كانت التجاذبات الإيرانية الداخلية آخذة بالتفاقم، قال مسؤولو حزب الله إن «الحزب بعد النووي هو نفسه حزب الله المقاومة ونصرة فلسطين».

حرص «حزب الله« على التأكيد أن المقاومة باقية وتتمدّد، وبأن فلسطين هي وجهتها، حتى إذا مرّ طريقها في سوريا، ذلك الطريق الذي يبدأ ولا ينتهي. لكن الحزب أثبت أنه مسكون بهواجس الحفاظ على مشروعيته، ليقينه أن دخول إيران في المنظومة الدولية، يعني التزامها بالقرارات الدولية وبالقانون الدولي. أي أن ممارسات «الحرس الثوري«، الذي هو جزء من هيكليته، والمتمثّلة باختراق الحدود وسيادة دول المنطقة، باتت من الخطوط الحمر الدولية. ربما لهذا السبب استشرس «المقاومون» في الأيام القليلة الماضية في الحديث عن سقوط الدولة اللبنانية وضرورة الذهاب الى مؤتمر تأسيسي، علّه يعوّض انتكاسة «مشروعيته» بمكاسب داخلية.

لكن هل تسعى واشنطن بالفعل الى ضرب «حزب الله« وسلاحه؟

على الرغم من خطاب الممانعة المعادي لـ»الشيطان الأكبر»، إلّا أن هذا «الشيطان» لم يعطِ يوماً انطباعاً بأنه ضد تضخّم دور «حزب الله« في الداخل اللبناني. غداة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لم تعارض واشنطن انتاج توافق دولي عرف بـ»التحالف الرباعي». وأثناء غزوة بيروت في «7 أيار»، كان كثيراً على الموقف الأميركي أن يوصف بالخجول. ما يهم واشنطن، كما تل أبيب، هو أمن إسرائيل. وبعدها لا يهم إن هيمن حزب الله على الدولة اللبنانية، أو حارب السوريين على «طريق القدس». بل على العكس تماماً. قد تعزّز واشنطن دور الحزب في محاربة «الإرهاب والتكفير» في المنطقة. وبذلك تبقى إسرائيل سعيدة لما يجري في المنطقة، كما قال نصرالله في خطابه الأخير، ويُستنزف الحزب في سوريا والمنطقة بعيداً عن القدس وتراب فلسطين. حتى في ذلك مصلحة مشتركة بين الأميركيين ونصرالله، الذي بات يرى أن «الإرهاب» يشكل خطراً وجودياً أكبر من الخطر الإسرائيلي! 

من المؤكد حتى اللحظة أن الاتفاق النووي جاء في سياق الطرح «الإصلاحي» على حساب استراتيجية الولي الفقيه الذي عمل سنوات على بنائها. اتفاق يرى فيه اللواء سعيد قاسمي، أحد المحافظين المتشددين المقربين من المرشد، نهاية نظام الولي الفقيه. وبينما يخوص الإصلاحيون والمحافظون صراعاً على مستقبل إيران وليس حاضرها، يقف «حزب الله« على «ضفة النهر» يراقب مرور جثث السلاح ورفاق السلاح.. و»ما باليد حيلة». مرّت جثة الكيماوي السوري، لتلحق بها جثة «السلاح النووي العسكري» الإيراني، وها هو العدو الإسرائيلي يتحدث اليوم عن أن «صواريخ حزب الله أخطر عليه من النووي الإيراني»! فهل تمر جثة «المنظومة الصاروخية» لـ»حزب الله«، الذي بات محكوماً بالالتزام بالقرارات الدولية، كما سيده الإيراني، بعد أن كان يركلها برجله لعقود طويلة؟ المنظومة الإعلامية لحزب الله تُهلّل للاتفاق النووي؟ إن كيد الممانعة عظيم!