يُدرك حزب الله جيدا أنه غير قادر على استثمار انتصاراته سواء الميدانية في سوريا أو السياسية في لبنان بشكل كامل في اللعبة الداخلية. ولعل تمسكه بسعد الحريري رئيسا مكلفا لتشكيل الحكومة طوال الأشهر الـ9 الماضية، رغم امتناعه عن تسميته في المشاورات النيابية، يؤشر تماما الى وجود قناعة لدى حزب الله بعدم قدرته وحلفائه على ادارة البلد بعقلية «الغالب والمغلوب» من خلال الدفع بالأطراف الخاسرة الى ضفة المعارضة. ولطالما ردد الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله وبخاصة في اطلالاته الأخيرة عدم رغبتهم بالاستئثار بالحكم، علما أن الظروف التي أنتجتها الانتخابات النيابية الأخيرة رجحت كفة الحزب وحلفائه بعد استحواذهم على الأكثرية النيابية، ما يجعلهم قادرين على تسمية رئيس حكومة من صفوفهم والسيطرة بشكل كلي على مجلس الوزراء بعد تغييب أخصامهم السياسيين عنه. لكن الطموحات شيء والواقع شيء آخر وبخاصة أن الحزب وحلفاءه، بحسب مصادر سياسية، يبحثون دائما عن غطاء اقليمي ودولي يقيهم المقاطعة والحصار، وهو ما يشكل السبب الرئيسي وراء دعوتهم مؤخرا رغم غلبتهم السياسية الواضحة لتشكيل حكومة وحدة وطنية يتمثل فيها كل الفرقاء.
ولم يستجب الحزب في الأشهر الماضية لسلسلة الدعوات لسحب التكليف من الرئيس سعد الحريري عبر المجلس النيابي، لاقتناعه بأن أي خطوة مماثلة ستُعرض الاستقرار الداخلي لهزة قوية قد تطيح ارتداداتها بكل ما تحقق في السنوات الماضية على صعيد تحييد لبنان عن الزلازل المحيطة بالمنطقة وأبرزها الزلزال السوري. وتشير المصادر الى أن الحزب صاحب نفس طويل في العمل السياسي، وهو ما ظهر جليا في الانتخابات الرئاسية الماضية حين تمسك بترشيح العماد ميشال عون أكثر من عامين ونصف ونجح في التصدي للاغراءات التي عُرضت عليه للتنازل وأبرزها طرح حليفه الأبرز رئيس «المردة» سليمان فرنجية مرشحا جديا. وتضيف المصادر: «أثبت حزب الله أنه يدير اللعبة السياسية بنفس المهارة التي يدير فيها اللعبة العسكرية رغم أنه وبخلاف كثير من القوى السياسية اللبنانية الأخرى لم يصبح لاعبا سياسيا الا منذ أقل من 20 عاما».
لكن قناعة الحزب بعدم قدرته وحلفائه على استبعاد كل أخصامهم والامساك وحيدين بدفة القيادة شيء، والسعي الدؤوب لاستثمار انتصاراته ولو بالحد الأدنى شيء آخر. اذ لن يتردد حزب الله في فرض أولوياته على أولوية عمل الحكومة وبالتحديد لجهة جعل مكافحة الفساد عنوانا أساسيا للعمل الحكومي، وهو ما اتفق عليه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل. وتعتبر المصادر أن باقي الفرقاء لن يكونوا قادرين على التصدي لهذه العملية التي انطلقت بزخم تحت مظلة التفتيش المركزي، لذلك نرى كل القوى تتسابق في خطاباتها لتبني هذه العملية، وهو ما يعتبره الحزب و«الوطني الحر» على حد سواء «اشارة خير» لجهة اقتناع الجميع بعدم امكانية استمرار الوضع على ما كان عليه طوال السنوات الماضية، ما سيدفع كل الفرقاء الى رفع الغطاء عن الفاسدين، أتم ذلك عن قناعة أو عن اكراه.
وبحسب المعلومات، فان حزب الله لن يتوانى بعد نيل الحكومة ثقة مجلس النواب عن «وضع العروضات التي تقدمت بها طهران لمساعدة لبنان على طاولة مجلس الوزراء، ليسأل عن خلفية رفضها عارضا للتجارب القطرية والتركية في هذا المجال، ليرد بذلك على كل محذر من غضب أميركي يؤدي الى حصار لبنان». وتشير مصادر مطلعة الى ان «الحزب لن يضغط في موضوع تسليح الجيش ايرانيا اقرارا منه بدقة الوضع، لكنه بالمقابل سيدفع باتجاه التعاون مع طهران سواء في قطاع الأدوية أو البنى التحتية، من دون أن يعني ذلك أنه مستعد للتفريط بالتضامن الحكومي». وتضيف المصادر: «سبق عملية تشكيل الحكومة تفاهم غير معلن بين كل القوى السياسية وبخاصة بين رئيس الحكومة من جهة والتيار الوطني الحر وحزب الله من جهة أخرى على مقاربة كل الملفات الحساسة بكثير من المراعاة لهشاشة الوضع الداخلي، وعلى رأس هذه الملفات العلاقات مع سوريا والنازحون»، لافتة الى ان أيا من هذه الأطراف لا ينوي الخروج عن هذه التفاهمات بعد أيام من انطلاق عجلة العمل الحكومي، لذلك سيحاول الحزب أن يؤمن شبه اجماع على موضوع التعاون مع ايران والا فهو لن يسير به على قاعدة التصويت داخل مجلس الوزراء، وان كانت العودة الى هذه القاعدة متاحة، وفق التفاهمات المنجزة، على أن تكون الخيار الأخير الذي يتم اللجوء اليه».