ما زال العسكريون اللبنانيون المخطوفون في قبضة خاطفيهم من التنظيمين الارهابيين «النصرة» و«داعش». نَقُص عددهم ثلاثة: واحد أعيد إلى اهله. واثنان استشهدا. والبقية تحت جنون الخاطفين وإجرامهم.
أما الأهالي المفجوعون، والذين يتمسكون بأي «قشة» خلاص تعيد إليهم ابناءهم فيبادرون إلى كل الوسائل السلمية من اعتصام وتظاهر وقطع طرقات… يتحركون بين الأمل واليأس. بين الخوف والترقب، بين القلق والانتظار. يتحركون باتجاه الزعماء اللبنانيين، والحكومة وكدت أذكر رئيس الجمهورية لو لم أفطن إلى ان حزب الله قد «خطف رأسه« ولا أحد يعرف أين خبأه. لا في أي سفارة. ولا في أي بلد. ولا عند أي مرشد أو طاغية. كأن لبنان صار «بلاد المخطوفين»؛ بل كأنه بات ينقسم بين خاطفين ومخطوفين. بين قتلى ومقتولين. وليس ذلك سوى استمرار لهذه الحالة منذ منتصف السبعينات من أيام الميليشيات «المرموقة» إلى أيام ميليشيا حزب الله وارثة موبقات «أسلافها» ومطورة وسائلهم. لبنان، منذ نصف قرن تقريباً، يتأرجح بين خاطف عربي (الوصاية السورية) وخاطف عدو (اسرائيل)، وبين خاطف فارسي (ولاية الفقيه) وبين خاطف طائفي. فكأنه اعتاد ان يعيش «حالة» الخطف اعتياده الأعراس والاحتفالات بالأعياد. ولو عمد «غينيس» إلى تعداد الخاطفين والمخطوفين، لتبوأ لبنان الدرجة الأولى بامتياز. ظاهرة باتت كأنما عادية، أو طريقة لإثبات الذات المريضة. أو لتخريب كل ما هو طبيعي، وعدالة، وحرية ودولة وقانون وجيش وقوى أمن وأمن عام وحتى شرطة السير وحتى النواطير. أف! مخطوفون من كل الأنواع، وخاطفون من كل النِّحل والمِلل والأجناس والصنوف والطبقات والأحزاب: من الخاطفين مقابل فدية إلى خاطفين لأسباب سياسية ومن خاطفين لأسباب مذهبية، (أو حتى أيديولوجية في الأمس القريب) إلى خاطفين لأسباب عشيرية….
ومن خاطفين من أجل الارهاب، والترهيب إلى خاطفين من أجل ابقاء البلد على قلقلة واضطراب وعدم استقرار. حتى بات كل لبناني يحسب نفسه انه مخطوف مفترض. فإذا كان كل شيء رهنَ الاختطاف فلماذا الاستثناء؟ ولمَ لا التعميم؟. كلنا مشاريع مخطوفين. أي كلنا مشاريع اختفاء. أي كلنا مشاريع «قتلى» أو شهداء أو مفقودين.
لكن أخطر ما في صنوف الخطف هذه، تلك التي مارستها الوصايات المتعاقبة على لبنان: السورية بامتياز. خطفت لبنان وحريته ومصيره واقتصاده وسيادته ودوره ودولته وجيشه وأمنه وقضاءه… وعدالته، وأرواح ابنائه: هل نسي اللبنانيون الـ 15 ألف لبناني المخطوفين عند نظام الأسد؟ ومن يجرؤ على المطالبة بهم؟ لا أحد! 8 آذار ، غير موجودة» لأنها جزء من وصايتين: بعثية وإيرانية. والاثنتان حليفتان معلنتان تربطهما اسرائيل بوشائج سرية استراتيجية. اما 14 آذار فقد أُسقط في يدها. وعندما تطالب يرد عليها بعض المرتزقة بوقاحة جعلت بعضهم يصف المخطوفين اللبنانيين في سجون النظام السوري السابق بأنهم «زعران» ومجرمون! هذه هي الحالة.
وبعد انكفاء نسبي للوصاية السورية، ها هو حزب محتشمي وسليماني يحرر الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي ليسلمه لاحتلال إيراني! الجنوب من خاطف صهيوني إلى خاطف فارسي! فيا للأعاجم ما أقواهم علينا وما انفذ حضورهم في أجسامنا وعقولنا خصوصاً أن لهذه الوصاية «الظلامية» الفارسية، السمات المذهبية المغلقة. أكثر: يجرؤ قياديون في نظام الملالي المجرم، ان يتباهوا بأن لبنان كل لبنان، ولاية إيرانية. لم يعد يكفيهم خطف منطقة الجنوب أو كانتون (الضاحية)، بل يعلنون خطف شعب كامل وحدود كاملة، وتاريخ كامل ومصير كامل؛ كل ذلك بقوة سلاحهم الموضوع في أيدي عملائهم من حزب الله واتباع النظام السوري. من خطفٍ إلى خطف، إلى خطف. وعلى اللبنانيين ان يقبلوا الخاطف بشروطه خصوصاً إذا كان وكيلاً حصرياً حزبياً، (جندياً في جيشهم العظيم، جيش الولي الفقيه) لأنهم اذا رفضوا «وتمردوا» يصبحون في عداد المخطوفين شهداء (الرئيس رفيق الحريري وشهداء 14 آذار وصولاً إلى وسام الحسن). فالرافضون هم عملاء، لأنهم ليسوا عملاء كحزب الله! العمالة قاعدة تقويم وتقدير ولائحة سوداء! نخطف أرواحكم في بيوتكم، وفي مخابئكم (محاولة اغتيال النائب بطرس حرب وسمير جعجع…) والمجرمون في حماية أربابهم، قديسون وأولياء. اخطفْ أو أقتلْ أو خرِّبْ، تصبح قديساً في محراب حزب الايمان والتقوى.
خطفوا مجلس النواب، سنة ونصف، وحاصروا نواباً في منازلهم ومكاتبهم، وحاصروا الحكومة.
خطفوا وسط بيروت في 7 أيار واحتلوه، على غرار ما فعل شارون. ونظن أن هذا الأخير من معلميهم الأبرار الكبار من دون ان ننسى «شارون» سوريا والعراق : سليماني! خطفوا حكومة الائتلاف بانقلاب قمصان السود التي لونوها بألوان قلوبهم وعقولهم السود. خطفوا مضمون «بيان بعبدا» الذي وقعوا عليه (عندهم عادة رائعة في السنتهم: لحس تواقيعهم. وعندهم ميزة رائعة بأصابعهم: تهديد الناس، وعندهم ممانعة في أقدامهم بدعس القرارات والقوانين)، ليلبوا نداء إيران وينفذوا أمرها بالاشتراك في ضرب الثورة السورية ومنع سقوط حليفهم الطاغية: (الغريب ان كل حلفاء حزب النفاق والشقاق هم طغاة: من بوتين إلى المالكي، إلى بشار الأسد… و«خامنئي…. من دون أن ننسى الصين وكوريا الشمالية « كأن الغربان على اشكالها تقع! (بالإذن من تكسير البيت) ذهبوا إلى سوريا «خاطفين» الحدود من الجيش والناس. جعلوا حدود لبنان بلا حدود. بل جعلوها حدوداً ايرانية بأمن ايراني، تماماً كما جعلوا بعض البقاع «سهلاً مخطوفاً». راحوا إلى سوريا مزودين كمية عالية من الحقد المذهبي وكمية عالية من كراهية الثورة. وكمية عالية من خيانة الشعب اللبناني الذي «نأى بنفسه» عن الدخول في تلك الحرب، (مع تأييد اكثريته للثورة السورية السلمية). وهكذا نجحت إيران عبر اداتها الحزبية في توريط لبنان في الدم السوري العربي الشقيق (لماذا يكره حزب الله العروبة والعرب والسنة!!) لأن عدوى الكراهية حقنها بها النظام الإيراني حُقن السموم والأوبئة. وها هي نتائج التوريط: ذهب «مقاتلو الحزب» (وهم ضحاياه أولاً وأخيراً) إلى سوريا ظناً منهم انهم ذاهبون في نزهة، أو ذاهبون ذهابهم إلى عدوان 7 أيار عندما انتصروا على محال الحمرا والواجهات وباعة الجرائد والمقاهي والمطاعم: وهل هناك اعظم من انتصار على مثل هذه الأماكن المدنية العزلاء والمغلقة؟
واراد الحزب خطف الجيش اللبناني (نتذكر هنا 7 أيار) وتوريطه في عبرا. واليوم، يريدون «خطفه» بكل ما اوتوا من حقد عليه في الأزمة السورية، ليكون في النهاية شريك الجيش السوري وفيلق القدس وميليشيات الحزب في قتل الشعب العربي السوري. الزَّج: هذه هي الخلفية التي تفسر عرقلته للمفاوضات بين الخاطفين (من داعش والنصرة) والجيش والحكومة اللبنانية. وكلنا يذكر كيف اتخذ بابازات حزب محتشمي موقفاً وضعوا فيه كل تفاوض مع هؤلاء. بمرتبة «خيانة» وتخليّاً عن هيبة الدولة (ما اسخف هؤلاء عندما يتحدثون عن هيبة الدولة) وكيف اكتشف اللبنانيون «تفاوضهم» السري مع خاطفي احد عناصرهم المقاتلين في سوريا: انها اصابة مباشرة في مرمى الدولة والجيش: نحن نفاوض وننتصر (!) وانما ممنوع عليكم التفاوض.
نحن نقايض بما يضمن اخلاء سبيل «مخطوفنا» وانتما واهل العسكريين ممنوع عليكم المقايضة. ماذا يعني ذلك؟ أولاً تصوير ان الدولة الحقيقية الفاعلة هي «الدويلة» الكانتونية الكرتونية وان الشرعية الدولة فاشلة وعاجزة. (انتصار مدوّ على الدولة). ثانياً تصوير الجيش وكأنه عاجز بمفاوضته ومكبل بمقايضته ومتردد في حسمه مقابل قوة «جيش» حزب الله وسراياه التي لا تذكرنا سوى بغستابو النازية: اصابة مباشرة في مرمى الجيش. ثالثاً محاولة زجّ الجيش في هجوم على المخطوفين وما ينتج عن ذلك من احتمال «قتل» المخطوفين وعندها ستُحمّل ابواق الحزب ومرتزقته وغلمانه الجيش والحكومة مسؤولية ذلك ليحقق «الحزب» انتصاراً على الجميع: فالحزب لم «ينقذ» الرهينة بهجوم صاعق (لماذا لم تقدموا على ذلك يا أبطال المقاومة!)، وانما بمقايضات لا بمقايضة واحدة، منها «وقف اطلاق النار بين الحزب والنصرة وداعش! رابعاً، اظهار عجز الجيش والدولة عن النجاح في أي خطوة… وحدهما: وهذا يعني، ما تروّج له وسائل اعلام عملاء الوصايتين: التنسيق بين لبنان وسوريا بشكل رسمي لمواجهة «الارهابيين». وكأن النظام السوري ليس ارهابياً! أي كسر الارادة الوطنية، والقرارات الدولية، والرأي العام العربي والعالمي، الذي يدين داعش ادانته لنظام بشار، ويضعهما في مصاف الجهات الارهابية. وتصوير الشرعية اللبنانية عاجزة (في كل المجالات) يعني الاعلاء من شأن «الشرعية» الحزبية، والنفوذ الإيراني في لبنان (وخلفه الاسرائيلي) والاستمرار في سياسة التحريض على كل من يحارب ضد النظام الفاشي في سوريا (وهذا يفسر ابقاء عرسال محاصرة من حزب الله) وابقاء السيف مصلتاً فوق رأس 14 آذار من جهة والسُّنة اللبنانيين والعرب في كل مكان بوضعهم في مستوى واحد مع الارهابيين. انها فعلاً عملية خطف «مجوقلة» برية وفضائية، أمنية وسياسية، للشرعية اللبنانية ولإرادة اللبنانيين وآمال اهل المخطوفين، تماماً كما حدث عندما «خطف» الحزب أرواح الشباب اللبناني بزجهم في حربه دعماً للنظام السوري وخدمة لإيران: دم الشباب اللبناني الشيعي الذي اهدرته ميليشيات الحزب في حرب من اجل الغير، مستمر بوتائر متسارعة، عالية، دون الاهتمام لا بالأهالي المفجوعين ولا بمصائر من أُبقوا في ساحات القتل العبثية في سوريا. والغريب، أن اهالي المخطوفين العسكريين، لم يتوجهوا، بعد، إلى الحزب، أصل البلبلة، ومصدر الكارثة بتورطه في الحرب السورية، واستدراجه «داعش» و»النصرة» إلى قلب الواقع اللبناني. فدماء الشباب الشيعي في لبنان (وكل قطرة دم منهم تساوي النظام السوري كله ونظام الملالي) ودماء العسكريين في اعناق هذا الحزب الذي فقد كل هوية لبنانية، أو انسانية، أو دينية، سوى هوية العمالة للفرس.
والأغرب، ان أهالي المخطوفين يُحيّدون الحزب عن مسؤوليته ليحملوها إلى الدولة والجيش وحدهما. أكثر: ان تحييدهم الحزب من «دم هذا الصديق» تشجيع له على الاستمرار في مؤامرته على الجيش والشرعية وعليهم. و»حثه» بطريقة مباشرة على البقاء في ورطته السورية، وايجاد كل «الحجج» الواهية لوجوده هناك، وربما سيقول غداّ مرتزقة الممانعة ان وجود حزب الله في ساحات القتل في سوريا هو لخدمة قضية المخطوفين! كما قالوا ان ذهابه إلى هناك للدفاع عن مقام السيدة زينب وعن لبنان ومنع وصول الارهاب إلى لبنان. فهؤلاء قادرون على قول أي شيء. أي ترهات. واكاذيب لتبرير «جنون» ارتهانهم. واذ نحن نفهم توجه اهالي المخطوفين الى السفارتين التركية والقطرية. فإننا لا نفهم لماذا الاحجام عن التوجه إلى السفارتين السورية والايرانية، وإلى مقرات الحزب وهؤلاء جميعاً متورطون في الأسباب التي استقدمت الارهابيين إلى لبنان: ارهابيون «شرعيون» يستجلبون ارهابيين غير شرعيين! يا لهذا المصير المذهل! خطاّفو الشعوب والدول والحدود يستقدمون خطافي الشعوب والدول والحدود إلى لبنان. فاذا اعتبرنا ان داعش خصوصاً «خطفت» مناطق ومدناً في سوريا والعراق بالقوة، والقتل والمجازر والترويع فلماذا علينا نسيان امثالهم عندنا وفي سوريا والعراق خطافي الدول والمدن والشعوب العربية؛ فمخططات الارهاب الداعشي تسعى إلى اقامة خلافة اسلامية في العراق وسوريا… ولبنان. وحزب الله يسعى إلى اقامة نظام ولاية الفقيه في سوريا والعراق ولبنان… واليمن (وربما في البحرين). «داعش» بالترويع، وقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث وحزب الله بالاغتيال والانقلابات والترهيب.
«داعش» يريد الغاء الحدود بين بعض الدول، وكذلك ايران عبر «استيلائها» (بالتواطؤ مع اسرائيل واميركا) على العراق.. وسوريا.. وجنوب لبنان. والغاء الحدود بين لبنان وسوريا (بمنع الجيش او قوات الأمم المتحدة من الانتشار على الحدود الشمالية لمنع تسلل المقاتلين ذهاباً ودخولاً).
«داعش» يعلن حدوده الاقليمية، وحزب الله اقام «جماهيريته العظمى» ودوائره الأمنية وسراياه وجيوشه الخاصة في لبنان.
إذاً: «الخطافون» متشابهون، كتوائم خارجة من بطون واحدة… ومن الطبيعي ان يستمر الحزب في «قتله» في سوريا وكذلك داعش؛ ومن الطبيعي ان يستمر الحزب في اظهار عجز الدولة والجيش، تيمناً بداعش والجيش العراقي! ومن الطبيعي ان يسعى الحزب إلى «عرقلة» كل حل لإعادة المخطوفين… ليبقى هو مع الخاطفين وحدهما… في ساحات الخطف والقتل وضرب الدولة العربية… وصولاً إلى لبنان!