بين حزب الله والتيار الوطني الحر اكثر من خلاف. ربما يجرّبان الآن، للمرة الاولى منذ «تفاهم مار مخايل» عام 2006، مغزى تبادلهما فقدان الثقة قبل الوصول في ما بعد الى اوان استعادتها. ليس الخلاف الاول، ولم يَبُنْ حتى الآن على الاقل انه عابر
في ما مضى اشتُكي من تململ قاعدة التيار الوطني الحر من حزب الله. قيل كذلك ان مفاضلة الحزب علاقته بالرئيس نبيه برّي على اي سواه – وهي حتمية غير قابلة للجدل – أضعفت التيار وكذلك عهد الرئيس ميشال عون. قيل الكثير من حول بعض الالتباسات بين الطرفين كانت الضرورة توجب ان يتمايز احدهما عن الآخر الى حد الافتراق الجزئي عنه. آخر الشكاوى كان مآل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة والمكلفة تصريف الاعمال. لكليهما مقاربة دستورية واخرى سياسية لها غير متشابهتين قبل ان يتأكد انهما مختلفتان ومتباعدتان. بلغت الذروة في انتخابات رئاسة الجمهورية والخيار المضمر – ما دام غير معلن رسمياً بعد – بترشيح الحزب سليمان فرنجية. اتت المقابلة التلفزيونية الاحد الفائت كي تفنّد كل نقاط التباين بين الحليفين. مع انهما في اكثر من مناسبة، قديماً وحديثاً، اكدا تمسكهما بـ«تفاهم مار مخايل» وعدم رغبة اي منهما في الانقضاض عليه او التنصل منه، بيد ان التفاهم ذاك اضحى فعلاً، بفعل تقادم الزمن، «على المحك» كما قال باسيل. ربما بسبب استنفاده آخر مقومات بقائه وصموده الطويل:
– لأن حزب الله لم يعد الآن، كما كان يقول قبلاً، في حاجة الى الحماية الوطنية له ووقوف فريق اساسي الى جانبه بعدما قال امينه العام السيد حسن نصرالله اخيراً في 11 تشرين الثاني ان المقاومة تحمي نفسها بنفسها. وهي اضافة مهمة في لغة الحزب الذي قال قبل عقود انه يحبذ الاجماع على المقاومة والالتفاف من حولها. ولأن لا حرب تموز 2006 ثانية بعد الآن بفعل ترسيم الحدود مع اسرائيل الذي ربط أمن البر بأمن البحر.
– ولأن الوظيفة الفعلية لتفاهم 2006 استنفده كذلك وصول الرئيس ميشال عون وتياره، وليس الرئيس فحسب، الى رئاسة الجمهورية. تجربة يصعب التفكير في استرجاعها. ارتبطت بالرجل الرئيس لا بتياره. كانت مكلفة للحزب وحلفائه كبرّي وفرنجية. يصعب مجدداً على حزب الله ان يقول يوماً ما في المستقبل القريب او البعيد لبرّي ان لا يُصوِّت لاحد ألدّ اعدائه السياسيين في جلسة انتخابه رئيساً للجمهورية، وان يقول لزعيم زغرتا مرة اخرى ان يفسح في المقعد لسواه.
لذينك السببين يصح القول ربما ان المطلوب من اجل بقاء الحليفين معاً ان يفكرا يوماً ما في مشروع مختلف. حتى الوصول اليه لا عنوان لعلاقتهما، في الوقت الحاضر على الاقل، سوى ان يجهرا بما بات يتجاوز التباين والخلاف بينهما.
ثمة اسباب وجيهة وشت بما قد حدث حتى الآن، الا انها تعكس عدم رضى كامل وتخلّف بدورها تداعيات:
1 – الانقطاع لا يزال مستمراً بينهما. وهو مؤشر سلبي حاولت المقابلة التلفزيونية تقليل علاماته بحصره بالشق السياسي دون الشخصي. بيد ان الطرفين يحرصان على وقف الحملات الاعلامية.
2 – لم يستسغ حزب الله الطريقة التي ادار بها التيار الوطني الحر اقتراعه في الجلسة التاسعة لانتخاب الرئيس الخميس الفائت، عندما حاول توجيه رسالة سلبية الى مغزى الورقة البيضاء باهدار التيار ستة أصوات موزّعة على اسماء لاغية (بين ميشال او معوض او معوض بدري ضاهر). ساء الحزب يومذاك ان يصير الى مخاطبته على نحو كهذا، وفسَّر ذلك التصويت على انه محاولة تهديد غير مقبولة. اضف رفضه اضعاف ما ترمز اليه اصوات الاوراق البيض وفحواها الفعلي الحالي في جلسات الانتخاب.
3 – رغم تبرير باسيل انه لم يتعرض الى نصرالله شخصياً وكان يقصد سوء تصرّف الحزب معه، بيد ان الاخير لا يسعه القبول بالذريعة. لا فصل بين الحزب وامينه العام الذي اعتاد ان يقول في اطلالاته الاعلامية مراراً انه «يشاور» عملاً بالقاعدة الشرعية المتبعة. ليس المقصود بذلك سوى وضع القرار في شورى الحزب التي تتخذه، الا ان المعروف كذلك ان الحزب والشورى يفوضان الى نصرالله بالذات اتخاذ القرار. اما اكثر ما يعرفه رئيس التيار وخبره منذ تعرّف الى نصرالله للمرة الاولى وجرّب تكراراً العلاقة والاجتماع به كما مع قياداته الآخرين قبيل وضع «تفاهم مار مخايل» وبعده، كما يعرف باطن التركيبة الداخلية، ان احداً في حزب الله لا يتخذ قراراً او يُبلغ الى اي احد قراراً اياً يكن مستواه، لم ينل موافقة امينه العام. بذلك لا يفصل حزب الله بين العام والشخصي. اساءة هذا اساءة لذاك. متداخلان الى حد الاندماج.
ad
4 – ساء الحزب توجيه الاتهام اليه غداة جلسة حكومة تصريف الاعمال التي قاطعها وزراء التيار. سبق المؤتمر الصحافي لباسيل الثلثاء في 6 كانون الاول اجتماع الكتلة النيابية للتيار الوطني الحر طوال ساعتين لم يأتِ على ذكر ما ادلى به رئيسه على الاثر، في بيان معدّ سلفاً وحمل على نصرالله دونما ان يسميه.
سقف حزب الله: حد أقصى انتخاب فرنجية، حد أدنى جلسات حكومة تصريف الاعمال
5 – لحزب الله في علاقته الحالية بالتيار الوطني الحر كما بحلفائه الآخرين سقف بحدّين: اعلى هو انتخاب مرشحه فرنجية، وادنى هو عقد حكومة تصريف الاعمال جلسات عندما تتوافر لديها بنود ضرورية وملحة. لا مشكلة يمكن ان يواجهها نصاب ثلثيها كي تنعقد من الآن فصاعداً، شرط قصر جلساتها على الملحّ والموجب. في ضوء جلستها الاولى في 5 كانون الاول ضمنت بعدذاك ميثاقية المشاركة المسيحية فيها من خلال جوني القرم وزياد مكاري وزيري فرنجية، ناهيك بالوزير الارمني جورج بوشكيان، فيما نصابها السياسي اضحى محفوظاً من خلال مشاركة وزيري حزب الله. قبيل انعقادها توقّع ميقاتي حضور بين 19 و20 وزيراً معوّلاً على مشاركة ثلاثة وزراء فاجأه تغيّبهم هم امين سلام (لاسباب مذهبية) ووليد نصار (لاسباب شخصية) وعصام شرف الدين (حليف حزب الله).
ad
6 – رغم الاعتقاد الجازم بأن لا فكاك لتحالف التيار الوطني الحر وحزب الله، بيد ان ما ترتب على ازمتهما الحالية المستمرة ان يصير الى كسر احدهما الحلقة بقوة اكبر مما قيل في المقابلة التلفزيونية، من هذا الفريق او ذاك. بات باسيل امام امر واقع جديد هو اجتماعات حكومة ميقاتي دونما ان تتحول حكماً الى دورية متسارعة. الامر الواقع الآخر تمسّك الحزب بترشيح فرنجية في مقابل رفض باسيل انتخابه. اذذاك لا مناص من استعادة سابقة 2016. حينذاك، بعدما بَانَ انتخاب عون حتمياً بتأييد مسيحي – سنّي شامل معطوف على العرّاب الاول حزب الله، اختار برّي دعوة المجلس الى الانعقاد دونما ان يقترع وكتلته له، كذلك فعل فرنجية بأن حضرت كتلته ولم تقترع للرئيس السابق. مع ذلك، كلاهما شاركا في كل حكومات العهد غير المصوَّت له، وكان تمثيلهما فيه وازناً ومؤثراً وكذلك فاعلية كل منهما معارضة او مجاراة.