Site icon IMLebanon

“حزب الله” وباسيل وتجارب الماضي مع الحريرية

 

لطالما أسهم خصوم الحريرية السياسية في استنهاض شعبيتها عندما تأكل من هذه الشعبية تجارب السلطة، التي لا ترحم، كما في أي موقع مسؤولية تتولاها أي قوة سياسية.

 

ليست المرة الأولى التي يسعى شركاء الحريرية السياسية إلى إضعافها بحملات منظمة عليها، وبتحميلها مسؤولية أي تراجع في الوضع الاقتصادي وتراكم الديون. حصل ذلك في أواخر التسعينات مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبعد تولي الرئيس السابق إميل لحود الرئاسة. لكنه عاد أقوى في انتخابات العام 2000. ثم حصل الأمر نفسه بعد إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري العام 2011. في كل مرة كانت الحريرية السياسية تتعرض للحملات لا سيما إثر خروجها من رئاسة الحكومة، كانت تسترجع قدراً من الالتفاف الشعبي حولها. وعلى الرغم من اختلاف الظروف هذه المرة، لقيت موجة الترويج لفكرة أن زعامة سعد الحريري انتهت بفعل استقالته في 29 تشرين الأول الماضي، وأن خلافه مع رئيس الجمهورية ميشال عون أدى إلى مساواته بإبعاد صهره جبران باسيل عن الحكومة، فأخرجه من دائرة النفوذ داخل السلطة، ردة فعل عكسية.

 

فعلى رغم كل المآخذ عند جمهور “المستقبل” على التسوية التي عقدها الحريري مع عون وأدت إلى انتخابه رئيساً للجمهورية، وعلى سياسة المهادنة التي اتبعها معه ومع الوزير جبران باسيل خلال السنوات الثلاث الماضية، لم يكتف رجال العهد بالجموح نحو الاستئثار بالسلطة والإصرار على سياسات أخرت خطوات الإنقاذ الاقتصادي والإصلاحات، وغلّبت المحاصصة، على غيرها. على العكس صادر “التيار الوطني الحر” شعارات الإصلاح ومكافحة الفساد ومحاربة الهدر في المال العام، بموازاة ممارسة شبق اقتسام المنافع باسم استرجاع الحقوق، للإخلال بالتوازن داخل السلطة وفي المشهد السياسي، ما أجج الخلافات وتسبب بتراكم فترات التعطيل للحكومة. بل أن “التيار الحر” والرئيس عون ومعهما “حزب الله” استرجعوا النهج نفسه الذي مورس ضد رفيق الحريري، واستسهلوا تحميل سعد الحريري المسؤولية بترداد اللازمة التي جرى الترويج لها إبان الوصاية السورية لأسباب سياسية، بأن سياسات الثلاثين سنة الماضية هي وراء التدهور الاقتصادي والمالي. لم يراعِ هؤلاء سياسة المهادنة التي اعتمدها الحريري باسم الحفاظ على الاستقرار وتلافي تأثير التجاذبات السياسية على التوافق حول الإصلاحات الاقتصادية.

 

قدم خصوم الحريري كالعادة خدمة له، مثلما سبق أن حصل مع والده، حين ارتدت الاتهامات الموجهة إليه وملاحقة مناصريه في الإدارة وفي الشأن العام ارتفاعاً في شعبيته. أدرك سعد الحريري أن شركاءه فهموا ليونته إجازة لهم باستضعافه، فعاد إلى جمهوره. حصد بنقله إحياء الذكرى الـ15 لـ 14 شباط إلى بيت الوسط، عودة للنبض الشعبي إلى جانبه بعد طول غياب عن جمهوره، يعترف قادة “المستقبل” أنه يحتاج إلى عمل دؤوب من أجل تعويضه ما فات، داخل تياره، نتيجة ركوبه مركب التسوية التي أقر هو نفسه أن مناصريه لم يكونوا راضين عنها. وعكس الحضور السياسي والديبلوماسي للاحتفال بالذكرى تضامناً معه في نقلته الجديدة بإعلانه سقوط التسوية وانفتاحاً على موقعه في المرحلة الجديدة.

 

مع أن بعض المراقبين وجد في كلام الحريري مهادنة لـ”حزب الله” لتجنبه تسميته، فإن أوساطه رأت في إشارته إلى دور الأخير في ترجيح انتخاب العماد عون ورفضه تزكية رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية للرئاسة، وفي المسؤولية عن فترات التعطيل للمؤسسات التي فاقت السبع سنوات خلال 15 سنة، اتهام لا لبس فيه لا يعني إلا الحزب. دعوة السيد حسن نصر الله أمس إلى التوقف عن تبادل الاتهامات عن المسؤولية عما آل إليه الوضع الاقتصادي، والكف عن وسم الحكومة الجديدة بأنها حكومة الحزب لأنه “يؤذي البلد”، ربما كان اعترافاً ضمنياً بقسطه من المسؤولية وبأضرار سياسته على الوضع الاقتصادي.

 

أما باسيل “رئيس الظل”، فلم يدرك، بهجومه على الحريري بعد أن حمّله مسؤولية فشل العهد والحكومة السابقة، تجارب الماضي مع الحريرية السياسية.