يُبدع «حزب الله» ويبرع، في ممارسة سياسة التجاهل والتذاكي في آن واحد، تماماً كما هو حاله في قلب الحقائق وتشويهها والجري حتّى النفس الاخير خلف مصالحه وتجاهل حقوق شعبه وجعلها آخر اهتماماته. كما يُبدع ويبرع في تزوير الوقائع وقلب الحقائق بحسب ما تهوى نفسه وكأن هناك «مطبخاً« خاصاً به، وجد فقط بهدف بث الأضاليل على مدار الساعة بالإضافة إلى تحويل المناسبات السنوية وتحديداً الحسّاسة منها والهامّة، إلى فرصة يستغلّها إعلامياً وسياسياً ويُجيّرها في خدمة مشروعه المُتعرّج، من بيروت إلى «القدس» ثم إلى العراق واليمن، وبعدها إلى «القصير» و«القلمون» و»الزبداني»، ووصولاً إلى «حلب».
«إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا». وحده «حزب الله» يشذ عن هذه القاعدة وذلك من خلال قلبه للهزائم وتحويلها إلى «إنتصارات» لا يُمكن لعاقل أن يتقبلها أو أن يُقر بها، فقط عقول تمت «أدلجتها» على مبدأ يعتبر الموت إنتصاراً و»الواجب الجهادي» الذي لا منفذ له سوى القتل بغير وجه حق ولا شرع، بمثابة الباب الوحيد لتحقيق «الكرامة» و»الشرف»، وبأنه لا يُمكن للمرء أن ينال حريّته، سوى في الحياة الاخيرة. ومن هذه النافذة أطلت كتلة «الوفاء للمقاومة» أمس على اللبنانيين عموماً وجمهورها خصوصاً، لتنكأ جراحهم بعد احدى عشرة سنة على الحرب المُدمرة مع اسرائيل، لتقول لهم إن موتكم وخرابكم وتهجيركم وأنينكم وخسارتكم الأبناء والأشقاء والأحفاد، لم تكن كلها إلا نصراً لكم.
استعادة «الكتلة» أمس، لغتها «الخشبية» في ما خص إستراتيجيتها الخاصة «الجيش والشعب والمقاومة»، لتوهم البعض بأن لحزبها الفضل بـ»نصر» حرب تمّوز، وذلك من باب إصرارها على معادلة اكل الدهر عليها وشرب، بالإضافة إلى أنها لم تُطبّق يوماً لا بمعناها ولا بمضمونها بحيث إن «حزب الله» وحده، هو من يُقرّر في كل مرّة، أخذ اللبنانيين إلى الحرب رغماً عن إرادتهم. وفي السياق يتذكّر البعض، كيف أن الحزب استعاد بشكل مُفاجئ خلال حرب تموز، لغة «الوحدة» والإنصهار والتكاتف بين اللبنانيين، وذلك على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله الذي شعر يومها بحجم الكارثة التي وقعت على لبنان كله وتحديداً الجنوبيين، فراح يُشيد بقوى حزبية كان لحزبه الفضل الأبرز في تحجيمها وتغييبها عن مقاومة إسرائيل لأكثر من ثمانية وعشرين عاما،ً بالإضافة إلى عمليات القتل والتنكيل بمقاتليها لأسباب لم تعد خافية على أي جهة.
الخسائر المُتلاحقة التي يتكبدها «حزب الله» في سوريا اليوم وتحديداً في ريف حلب، تجعله على الدوام في حالة لا توازن ولا إستقرار، عسكريا وسياسيا. يحاول الحزب التغطية على خسائره في سوريا، إمّأ عن طريق ابتداع الحجج واتباع استراتيجيات وخطط عسكرية محددة، كسياسة «القضم البطيء» التي سبق وحاول إقناع جمهوره بها خلال معاركه في «القلمون» بعد أن عجز عن تحمّل أعداد القتلى في صفوفه، وإمّا من خلال إتهام دول عربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بدعم «الإرهاب» ماديّاً وتسليحاً وتدريباً، وصولاً إلى إتهامها بتعطيل الإنتخابات الرئاسية في لبنان. وهذه «الأطروحة» المُعتادة، استعادت كتلة «حزب الله» أمس، العزف على وترها مجدداً ومرّة جديدة أمام جمهورها الضائع بين بيانات «النصر» التي يزفّها إعلام «المُمانعة» بشكل يومي، وبين وقائع الميدان التي تكشف حقيقة عجز «حزب الله» وحلفائه عن احداث أي تقدم بسيط ضمن حلقات الموت التي وزّع عليها كوادره وعناصره.
المُضحك المُبكي في بيان كتلة «حزب الله» هو موضوع تعويضات المُتضررين من جرّاء حرب تموز واتهامها الحكومة آنذاك، بأن «الهبات التي انفقتها الحكومة في ذلك الوقت لم تتسم بالشفافية المطلوبة ولا يزال يشوبها الكثير من الغموض حتى الآن«.
في منتصف تلك الحرب وبعد أن استشعر الحزب حجم المغامرة التي خاضها وحده من دون الرجوع لا إلى دولة ولا شعب، وبعدما أيقن أن الموت وصل إلى كل بيت، هذا إن كان هناك منزل بقي على حاله، راح السيد نصرالله يعد اللبنانيين بعودة قريبة إلى منازلهم، ويومها قال «ستعودون الى دياركم وهاماتكم مرفوعة«.
كما راح نصرالله يُقارن يومها بين المال الإيراني وغيره حيث وعد المهجرين وأصحاب البيوت المُدمرة، بمال «طاهر» و»نظيف»، لكن «الوعد الصادق» هذا، لم يصل سوى إلى جيوب المنتفعين والسماسرة داخل «حزب الله«، فهناك متضررون لم يستعيدوا كامل حقوقهم بعد من الوعود التي اغدقها عليهم الحزب، في المقابل ما زالت عمليات إهداء الأراضي والمشاعات العائدة للدولة لعناصر الحزب مستمرة في الجنوب والبقاع وفي أجزاء واسعة داخل الضاحية الجنوبية وعند أطرافها. حتّى إن هناك عدداً كبيراً من سكان الضاحية، قرروا يومها بيع منازلهم والرحيل عن المنطقة، بعد أن خيّرهم «حزب الله» بين حصوله على التعويضات المالية التي دفعتها لهم الحكومة على أن يتكفّل هو بإعادة إعمارها وبالطريقة والموازنة التي يراها مناسبة، وبين اكتفائهم بالأموال المدفوعة لهم من الحكومة، ومن دون أي مساعدة ماليه منه.
ومن باب اقتناص القضايا الإنسانية التي اعتاد «حزب الله» اللعب عليها، عادت كتلة «الوفاء للمقاومة» في بيانها أمس، الى مهنتها المُفضلة وهي استغلال أوجاع الناس وتحريضهم على دولتهم، وذلك من خلال استعادتها قضيتي الإتجار بالبشر والانترنت غير الشرعي، ومن يدري قد يأتي يوم ويتبنى فيه الحزب، «نصرة» المظلومين في كوكب آخر وإرسال عناصره للموت هناك تحت شعار «الواجب الجهادي».