لم تكد تمر أيام معدودة على سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف “حزب الله” في خان طومان في ريف حلب الجنوبي، حتى أعلن عن مقتل المسؤول العسكري الأعلى رتبة، مصطفى بدر الدين المتهم الرئيسي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي خلف نسيبه عماد مغنية الذي كان قتل قبل بضعة أعوام في دمشق! وإذا كان خبر مقتل بدر الدين عظيم الاهمية في هذه المرحلة من المحاكمة الجارية في مدينة لاهاي الهولندية، فإن اختفاء بدر الدين، أكان صحيحا أم مفبركا، لا يعني توقف المحاكمة، ولا امتدادها لتشمل أشخاصا آخرين غير مغنية الذي لم يضم الى لائحة المتهمين باعتبار وفاته حصلت قبل بدء المحاكمات، أو بدر الدين الذي يرجح أن يسحب اسمه من لوائح المحاكمة. فاللائحة طويلة، ولا تقتصر على مغنية أو بدر الدين، بل تتعداهما نزولا، والاهم صعودا. بمعنى أن كلا من مغنية وبدر الدين، وبالرغم من رفعة موقعهما العسكري والامني في تركيبة “حزب الله”، ما كانا صاحبي القرار الأساسي الذي اتخذ لاغتيال رفيق الحريري ورفاقه، وبقية القادة الاستقلاليين اللبنانيين. فثمة من اعطى كلا من مغنية وبدرالدين الاوامر، في الخارج والداخل على حد سواء. فهل تتمكن المحكمة الخاصة من النفاذ الى المراتب العليا في الحزب او في سوريا وايران لتحديد من أعطى الأمر إقليميا، ومحليا.
صحيح أن تحديد المنفذين مهم، لكن الأهم يبقى في الوصول الى المرجعية صاحبة الأمر في تنفيذ عمل كبير بحجم اغتيال الحريري. من هنا لا بد من مزيد من الصبر في انتظار نقلة نوعية في المحاكمات آتية لا محالة.
على مستوى آخر، لكنه مواز للضربات التي يتلقاها “حزب الله” في سوريا، لم يتأخر مسؤولو الحزب في إظهار ضيقهم الشديد من الإجراءات المالية الأميركية التي قرر النظام المصرفي اللبناني التزامها تجنبا لعقوبات يمكن أن تصيبه، فتسقط أحد أهم عناصر قوة لبنان، و”مقاومته” المؤسساتية والاقتصادية. وإذا كان نواب الحزب ووزراؤه قد رفعوا بالامس الصوت عاليا، ووصلوا الى إطلاق تهديدات مباشرة في حق حاكم المصرف المركزي، واستخدام مصطلح “الخط الاسود” باعتباره خطا ما بعد الخط الاحمر، يعتبر “حزب الله” ان حاكم المصرف المركزي قد تجاوزه، فإن الواقع يشير الى الإجراءات الاميركية مستمرة ومتصاعدة، ولا سيما لجهة توسيع مروحة الاسماء والمؤسسات الواقعة تحت بند العقوبات المالية الاميركية. وكل تهديدات “حزب الله” لا تغير في الامر شيئا، إنما تزيد هشاشة الوضع الاقتصادي اللبناني. فأي حاكم آخر للمصرف المركزي لن يكون بوسعه سوى الإذعان للاجراءات الاميركية، على قاعدة ان النظام المصرفي اللبناني، وفيه مدخرات اللبنانيين، ورافعة الدولة المالية يعتمد على النظام المالي العالمي المدولر. جل ما يمكن ان يفعله “حزب الله” هو أن يرهب القطاع المصرفي، دون جدوى، فالمشكلة في مكان آخر : تصنيف “حزب الله” ارهابيا في العالم العربي، وفي عدد كبير من دول العالم، على رأسها اميركا صاحبة الحل والربط في السوق المالية العالمية!