Site icon IMLebanon

«حزب الله» بين حرارة «الانتصار».. و«مرارة» الانتظار

سنوات ست مضت من عمر الحرب المجنونة بكل جوانبها في سوريا، والدماء ما زالت تنزف هناك. حلف لم يتعب بعد من هدر دماء عناصره على جبهات الموت المتنقلة ولم يمل من وعود «النصر» المُتكرّرة ولا من إطلاق شعارات برّاقة تتبدّل بحسب الزمان والمكان. فمن موقعة إلى أخرى، ثمة تبريرات حاضرة على الدوام لتحوّل لحظات الألم والوجع التي تعتصر نفوس أهالي شبّان يرحلون بصمت من دون كلمة وداع، إلى حكايات «مجد» و»نضال»، لا مكان لها على أرض الواقع ولا في دنيا الخيال، ولا هي تروي غليل الظمأ إلى نظرة في عينَي شاب أغلقها على عجل قبل أن يحين موعد لقائه مع أحبّة كُتب عليهم أن يُرافقهم الموت في حياتهم، كظل لهم حتى يوم مماتهم.

إدعاءات «النصر» لم يعد لها مكان في بعض الأوساط داخل بيئة «حزب الله» خصوصاً في ظل النزف المتصاعد نتيجة سقوط أبناء هذه البيئة المتزايد في حرب يعتبرون أنهم تم زجّهم فيها رغماً عنهم وما كانوا ليخوضوها في ما لو عاد الامر اليهم. فمن «إنتصار» القصير ثم القلمون وما بينهما الزبداني ومضايا، فحلب ودمشق العاصمة والتنقل على جبهات حماة وفي درعا ومن ثم العودة إلى جرود عرسال، ثمّة أوجاع تتكاثر وتتعاظم بعد أن عجزت مُسكّنات الوعود عن التخفيف من انتشارها والحد من آلامها. بيئة تسأل عن يوم الخلاص وعن يوم لا يعود فيه هاجس الموت مزروعاً في يومياتهم. فبرأيها أن الحرب مع إسرائيل قد وضعت أوزارها إلى حد ما منذ العام 2006، لكن سؤالها عن يوم يعود فيه الأبناء من المستنقع السوري، لم يجد طريقه بعد نحو آذان المسؤولين عن إزهاق هذه الدماء وإرهاقها.

في القصير والقلمون بكافة القرى والمدن، كان إدعاء «النصر» حاضراً في كافة الخطابات، لكن النتيجة كانت مقتل ما لا يقل عن خمسمائة عنصر. في دمشق وغيرها من المناطق الواقعة ضمنها مثل الغوطتين الشرقية والغربية وحي جوبر واليرموك والشغور، وغيرها الكثير من المناطق، كانت رايات «النصر» فيها تُرفرف فقط على محطات إعلام «الممانعة»، وكانت الحصيلة ما لا يقل عن ثلاثمائة عنصر. وفي حلب ودرعا استعيدت نغمة «الإنتصارات» وكانت النتيجة مماثلة لسابقاتها. واليوم في جرود عرسال والتي خسر فيها «حزب الله» ما لا يقل عن عشرين عنصراً، ثمة إصرار على إطلاق وصف «النصر» على الرغم من اعتراف اعلام الحزب نفسه، بأن عدد عناصر «جبهة النصرة» الذين خرجوا من الجرود، لا يتجاوز الـ 150 عنصراً. لكن يبدو أن للحزب استراتيجية خاصة في معنى كلمة النصر، يحوّرها ويُديرها على النحو الذي يُناسبه ويتناسب مع وضعه المأزوم.

في ما خصّ الجرود على وجه التحديد، لا بد من القول أن «حزب الله» ومنذ بداية الحرب السوريّة، سمح لكل هذا الإرهاب الذي كان يطوّق لبنان لغاية تاريخ حصول «الصفقة» بينه وبين الجماعات الإرهابية، بأن يفرد لنفسه مساحات واسعة في الجرود وبأن يُقيم تحصينات بدأنا اليوم نتلمسها ونشاهدها على الشاشات بـ «فضل» الاعلام الحربي التابع له، ما يستدعي العديد من الأسئلة، حول الظروف أو المساعدات التي كان هيّأها الحزب والنظام السوري لهؤلاء الإرهابيين، إن بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء عن طريق غض الطرف عن وجودهم وخطورته لفترة تزيد عن أربع سنوات إلى أن وصلوا إلى ما كانوا عليه بالأمس، أو من خلال الدعاية التي فعلت فعلها وصوّرتهم على أنهم مشروع زرعته دول شوكة في خاصرة «المقاومة»، وذلك على عكس ما يشاهده اللبنانيون من حالات فرار جماعي لهؤلاء وخسائر لا ترتقي على الإطلاق إلى حجم التهويلات التي كانوا يوصفون بها، على الرغم من الاجماع اللبناني بأن هؤلاء مجرمون وإرهابيون يجب الإقتصاص منهم ودحرهم عن الحدود، ولكن عن طريق المؤسسة العسكرية.

هي رحلات وجع لم تنتهِ منذ أعوام. الموت يُحاصر شُباناً في مقتبل العمر فيتحوّلون إلى وقود لحرب لن تُنصفهم في الحياة ولن تُصنّفهم «قديسين» بعد المماة. السلاح الذي يجتمع تحت أسباب أو مُسبّبات وجوده القاتل والمقتول، هو رهن حوارات ومفاوضات سابقة ولاحقة قد تُفضي إلى أمور عدّة أقله تنظيمه بدقّة أو بطريقة مُحكمة لا يُمكن أن تتسرّب من خلالها شرارته إلى الداخل مجدداً. لكن المشكلة «العويصة» بل القاتلة، هي في إنتقاله إلى خارج الحدود واستخدامه تحت مسميات متعددة وملوّنة ينكشف زيفها على طريقة أن «الحبل القصير»، هو الوحيد الكفيل بفضح زيف الإدعاءات وكشف الحقائق المُخبّأة تحت رزمات من الشعارات ووعود النصر، والمعطوفة على مشاريع التوسع في المنطقة والهيمنة عليها بشتّى الطرق، بمجهود شبان هم في الحقيقة، ليسوا أكثر من عنوان لرحلات موت مجانية لا إمكانية أو فرضية للعودة منها.

لا يُمكن للأبصار أن تُغض عن مشاهد الموت وعناوين الخسائر التي تُلاحقه خصوصاً في المرحلة الأخيرة حيث الإنتكاسات في قمة الوجع والألم. فالموت هناك، سيظل يُلاحقهم. عناصر على ضفة نهر غير آمنة يمنون النفس بالعودة إلى ما كانوا عليه قبل العام 2011. «حزب الله» في أزمة كبيرة لم يجد لها حتى اللحظة حلاً ولا ترياقاً أو حتّى مُخفّفاً للآلام. الموت يُحاصر القادة والعناصر ولا مفر منه لا بـالدعايات المصوّرة ولا بالإدعاءات المزوّرة.

وبالأمس عاد الحزب ليُعلن مُجدداً عن «إنتصار» جديد في جرود عرسال، ضمّه إلى «إنتصاراته» السابقة، لكن خلف هذه التسميات، ثمة بيئة كانت تنتظر كلمة سر تكون ترجمتها عودة أبنائهم من أحضان الموت.