Site icon IMLebanon

«حزب الله»… حذار الدعسات الناقصة؟!

يجهد «حزب الله»، مباشرة، او عبر آخرين يدورون في فلكه، في ايجاد التبريرات وتسويق الدوافع للعملية التي نفذتها مجموعة «الشهيد حسن علي حيدر»، بتفجير آلية عسكرية إسرائيلية، في مرتفعات مزارع شبعا المحتلة، أول من أمس الثلاثاء، وأدت الى إصابة عدد من جنود الاحتلال الاسرائيلي، الذي ردّت مدفعيته بقصف التلال المحيطة بشبعا وكفرشوبا وخراج الهبارية – جبل الوسطاني…

التوقيت لافت وذو دلالة، كما والمكان… حيث ينقسم «الواقع اللبناني» حول مشاركة «حزب الله» في الأحداث السورية، الى جانب النظام، بين مؤيد ومتحفظ ومعارض بقوة… وسط تداعيات أمنية وسياسية تحمّل الحزب مسؤولية «التفرد» بقرار ليس من حقه… هذا في وقت يمر لبنان بأزمة مركبة، بالغة التعقيد، من تجلياتها التفكك السياسي والطائفي والمذهبي، المستند الى ركائز إقليمية ودولية، وعدم القدرة على انجاز استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وقد دخل لبنان يومه الثامن والثلاثين بعد المئة من دون رئيس… (رأس)، كما ومن تجلياتها العصف الأمني، الذي يتكل عليه الافرقاء السياسيون في غالبيتهم الساحقة لتبرير عدم اجراء الانتخابات النيابية، والعمل على التمديد ثانية لمجلس النواب الحالي المدد له، حيث بات هؤلاء على قناعة من ان اجراء الاتخابات في تشرين الثاني المقبل مستحيل، ولا بد من «تشريع الضرورة» للتمديد ثانية، خصوصاً وان الرئيس سعد الحريري قطع الشك باليقين، من باحة قصر الاليزيه، مشدداً على ان انتخاب رئيس الجمهورية يبقى الأولوية «واذا أرادوا اجراء انتخابات نيابية فلتكن من دون تيار المستقبل…».

قد يكون من الصعوبة بمكان ادراك الحيثيات التي يعمل «حزب الله» على هديها، وعلى جبهات عديدة… لكن أحداً لا يقدر ان يبرر، ومن ضمن الواقع الذي يعيشه لبنان والمنطقة، ان يبقى الحزب ممسكاً بمقولة «بقاء المبادرات في يده، بعيداً عن سائر الافرقاء، فيقرر وفق توقيته وأجندته وحساباته أين ومتى وكيف ولماذا تفتح هذه الجبهة او تلك، او تقفل هذه الجبهة او غيرها…»

الواضح، بحسب المعطيات المتوافرة، ان هذا الواقع الذي آل اليه الوضع في لبنان (وهو في شقه الأوسع ناجم عن تداعيات الأزمة السورية، بحكم عامل الجغرافيا أولاً، وبحكم ترابط المصالح بين ال«مع» و«ال«ضد»، ثانياً) يشغل بال أي أحد من اللاعبين الدوليين او الاقليميين البارزين والمؤثرين، سوى ان هذه الدول – التي كانت لوقت سابق تحث الافرقاء اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية وعدم الوقوع في الفراغ الذي قد يتمدد باتجاه مؤسسات أخرى – كانت توجه النصيحة، وأحياناً تتمنى وترغب بأن يبقى لبنان في مأمن – ما أمكن – عن تداعيات ما يجري في المحيط الاقليمي، من العراق – الى سوريا، الى فلسطين وغير دولة…

واذا كان لبنان، بفعل «اتفاقيات تحت الطاولة» او من وراء الستار، بين الافرقاء الأساسيين لايزال يحتفظ بالحد الأدنى المقبول من الاستقرار الأمني، فإن أكثر من مرجع وفريق، وعلى مستويات عدة، باتوا لا يخفون قلقهم جراء ما حصل منذ آب الماضي، في جرود بلدة عرسال البقاعية، وقبل أيام في جرود بلدة بريتال ومحيطها، وجراء التسريبات عن سيناريوات أكثر خطورة على امتداد السلسلة الشرقية، وصولاً الى جنوب لبنان، وتحديداً مزارع شبعا ومحيطها… ما دعا كثيرين الى ربط ما جرى أول من أمس، بهذا السيناريو واعتباره رسالة بأن هذه المنطقة لن تكون «امنة» لمسلحين من سوريا… يضاف الى ذلك مسألة العسكريين اللبنانيين المختطفين من قبل مسلحي «داعش» و«النصرة»، ولا ضمانات بأن لبنان سيعبر هذه الأزمات المتراكمة والمتتالية، بأقل الخسائر الممكنة…

صحيح ان الرد الاسرائيلي جاء «موضعياً»، لكن التجارب السابقة تفيد ان «إسرائيل» هي التي تختار وتحدد كيف ومتى وأين ولماذا ترد؟!. والسؤال، هل أخذ «حزب الله» في الحسبان هذه المسألة، وما اذا كانت «إسرائيل» ستكتفى بـ«الرد الموضعي» – وهي التي سارعت للاعلان عن أنها «تحتفظ بحق الرد…»؟! – أم أنها ستعيدنا بالذاكرة الى العام الفين؟! وهل يستطيع الحزب «بقواه الذاتية» ان يواجه على جبهة عرسال، وجبهة بريتال، وجبهة الجنوب؟! وجبهات الداخل اللبناني التي تبقى الأكثر خطورة؟!

لا يكفي ان يقول البعض ان عملية أول من أمس جاءت لتعيد تصويب البوصلة بالاتجاه الصح… و«اللاطون» خلف الأبواب كثر وهم جاهزون؟!

المسألة ليست سهلة، ولا بسيطة… وهي في جانب كبير منها دفعت بالوضع اللبناني أكثر،  الى موقع أكثر حراجة… وأكثر مما باغتت العدو الاسرائيلي الذي يده مطلقة في التصرف، على نحو ما جرى قبل أشهر في غزة، وكيف طويت هذه الصفحة من دون ان يسمع من «المجتمع الدولي»كلمة لوم واحدة، او تأنيب او إدانة… وأي عدوان إسرائيلي على لبنان، سيقرأ في بعض الداخل، وفي بعض المحيطين العربي والاقليمي، وعلى المستوى الدولي، على أنه «جزء من الحرب الكونية المفتوحة ضد الارهاب»، حيث «حزب الله» في «جناحه العسكري» على قائمة المنظمات المصنفة إرهابية في العالم…؟! وليس عدواناً على لبنان، ولو أدى ذلك الى تدمير لبنان، على نحو ما حصل في غزة، وعلى نحو ما حصل في الاعتداءات الاسرائيلية السابقة…؟!

إن لبنان، كما وسائر المشرق العربي، أمام مفصل مهم، وبالغ الخطورة، من اللعبة الدولية، التي تخطط لاعادة تقسيم دول هذا المشرق – وليدة اتفاقية سايكس – بيكو (الانكليزية – الفرنسية) – تبرر للكيان الاسرائيلي جرف أكثر من مليون فلسطين عربي في الاراضي المحتلة عام 1948، لاعلان «إسرائيل دولة يهودية…» يكون لها اليد الطولى والأقوى والأكثر فاعلية بين الدويلات المتنابذة والمتنافرة والمتناحرة، على خلفيات مذهبية وطائفية وعرقية واتنية… ولا يفيد فيها «منطق الحياد» او «الانعزال» عما يجري، لأن المنطق الأكثر ضعفاً والأكثر أهلية والأكثر استجابة لتحقيق هذا الهدف باعادة تقسيم المنطقة من جديد، والنموذج العراقي بات قائماً ومشروع النموذج السوري على الطريق، ولبنان جاهز بما فيه الكفاية لاعادة الحياة لايديولوجيات ومشاريع كانت حاضرة طوال القرن الماضي، وهي تتأهب للعودة من جديد بحجة مخاوف «الأقليات» مما يحصل في المحيط الاقليمي؟! ما يدعو الى قرع جرس انذار والتنبيه من خطورة أية خطوات او «دعسات ناقصة» لا تخطى باجماع وطني أقله في هذه المرحلة…