لم يخرج حزب أو تيار من الجولة الأولى للمعارك الانتخابية في بيروت والبقاع من دون خدوش وجروح .
نبدأ بـ “حزب الله”. اضطر هذا الحزب في عز تورطه الدموي في سوريا إلى خوض معارك انتخابية مرهقة في مدن وبلدات كان مفترضاً أنها واقعة في حضنه وعرينه. معارك ومواجهات استدعت تدخلاً استثنائياً من أمينه العام السيد حسن نصرالله الذي لم يكتف بتكليف شرعي. انتقل نائبه الشيخ نعيم قاسم إلى قيادة عمليات انتخابية في وجه “مجتمع مدني” اتخذ هناك أشكال عائلات رفعت للمرة الأولى صوتها بهذين القوة والزخم. وعندما انجلت النتائج تبين أن أقل ما يقال فيها إنها صادمة للحزب، وإن أعلن انتصاره فإنه كان انتصاراً أقرب إلى هزيمة. لم يستطع أن يفرض لوائح توافقية وتزكيات حيثما أراد كما كان يفعل . 17 مجلساً بلدياً فقط فازت بتزكية من تدبيره من أصل 155 . وعصت 20 بلدة انقسم محازبوه فيها ترشيحاً واقتراحاً . وفي مدينة الشمس حيث واجه لائحة “بعلبك مدينتي” برئاسة النائب السابق ورئيس البلدية السابق غالب ياغي كاد هذا الحزب أن يصاب بخسارة مدوية. فنحو 46 في المئة من المقترعين صوّتوا ضده ، وبلغ الفارق بين آخر الفائزين من لائحة الحزب (“الوفاء والتنمية”) وأول الخاسرين من “مدينتي” 700 صوت فقط. وكما في بقية البقاع حشدت لائحة “السلطة الشيعية” كل الأحزاب من حركة “أمل” إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث و”التيار العوني”، ورغم ذلك اضطرت إلى الضغط المعنوي الديني، إلى نشر جو مذهبي، والضغط المالي على ما يؤكد منافسوه، مضيفين: “لا نلوم أحداً. الجوع كافر”.
ويا حرام على منافسي “حزب الله”. يروي أحدهم في بعلبك أنهم اجتمعوا قبل اسبوعين من موعد الإنتخابات وعرضوا الوضع. لا مال عندنا ولا دعم سياسي من أي جهة. فماذا نفعل؟ سوف نكمل بما تيسر وكل منهم مد يده إلى جيبه. من هنا 200 دولار ومن هناك 300 ومن هناك ألف. “خضنا الإنتخابات بوجه “حزب الله” وماكينته الهائلة بعشرة آلاف دولار تقريباً”، يكشف أحد الذين ترشحوا لـ”النهار” ويضيف: “لم نذع الخبر لئلا يفكر أحد ماذا دهى هؤلاء؟ مفلسون ويريدون تحدي “حزب الله”؟ لكننا فزنا على الأقل بإعادة الكرامة إلى أهالي بعلبك. فهم الحزب أنهم ليسوا في جيبه فاضطرت قيادته إلى زيارتهم، وفهم أن أحوال المدينة وأهلها أسوأ مما يعتقد فيما هو منغمس في معاركه في سوريا وتورطه وانشغاله في العراق واليمن والبحرين وغيرها. بعلبك التي تعيش على السياحة لا سياحة فيها ولا حركة بل فلتان أمني وركود اقتصادي وأوضاع معيشية بالويل. وعند فرز الأصوات انقطعت الكهرباء في السرايا ثلاث مرات ووصلت صناديق متأخرة جداً قياساً بالوقت الذي يستغرقه الوصول من البلدات التي انطلق منها ناقلوها ولا يختلف وضع بريتال حيث بلغ الفارق 400 صوت بين لائحة الحزب واللائحة العائلية المنافسة والمدعومة من الأمين العام السابق الشيخ صبحي الطفيلي. وفي الهرمل أسقطت العائلات مرشح الحزب لرئاسة البلدية واتحاد بلديات الهرمل. وفي إيعات أسقط أنصار الحزب القومي لائحة الحزب. وفي كل مكان من البقاع الشمالي إلى الأوسط فالغربي والجنوبي برزت إشارات واضحة إلى تململ، إلى إعتراض لم يبلغ حد التمرد. الناس الذين لطالما أيدوا “حزب الله” وضحوا من أجله ما عادوا يقبلون أن يلغيهم هذا الحزب ويستأثر محازبوه بمغانم “السلطة” ويسيئوا استخدامها على حسابهم.
الوضع لم يكن أفضل في زحلة. لو لم يكن رئيس اللائحة التي فازت أسعد زغيب لما كانت فازت الأحزاب المسيحية الثلاثة. يمكن القول إنها لما فازت لولا سوء تدخل “حزب الله” الذي اتكل عليه العونيون فلم يحشدوا كما كان متوقعاً منهم رغم أنهم أخذوا بضغط من حليفهم حزب “القوات” نيابة الرئاسة و5 أعضاء من أصل 21. ورفع “القواتيون” والكتائبيون أيضاً حدّة المعركة مما دفع زحليين كثيرين إلى الإنكفاء عن المشاركة في الإقتراع. وجارى أحد الأحزاب لعبة الدفع المتهم بها خصومه تاريخياً من أموال إحدى الشخصيات الثرية والطامحة إلى كرسي نيابية. أما قرع أجراس كل كنائس المدينة بعد ظهر الأحد ففسره بعضهم استثارة لمشاعر دينية، لكنه في واقع الأمر كان طلباً لنجدة من السماء، وكل ذلك أوصل نسبة مؤيدي اللائحة الفائزة إلى نحو 40 في المئة. هل قلتم “تسونامي مسيحي؟”.