قد تكون المرة الأولى يختلف فيها الموقف داخل “حزب الله” من قضية تعنيه مباشرة وتمس مصيره، هي قضية التعامل مع قانون العقوبات الاميركي الذي دخل حيز التنفيذ منذ 15 نيسان الماضي، ولمس الحزب ان تطبيقه أكثر من جدي وربما استنسابي بما أنه شمل في شكل أو آخر شخصيات قريبة من الحزب ولكن غير متورطة أو معنية بعملياته المالية.
بدا التفاوت واضحا في المواقف. ففي حين كان وزيرا الحزب في الحكومة حسين الحاج حسن ومحمد فنيش يثيران الموضوع في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء على خلفية صدور تعميمين تطبيقيين للمصرف المركزي، ويدعوان إلى التعامل بتروٍ وحكمة وهدوء مع الموضوع، كانت كتلة “الوفاء للمقاومة” تطلق تهديدات قاسية في اتجاه المصارف والمصرف المركزي والحكومة حتى، محذرة من الانصياع للقرار الاميركي.
ورغم تزامن التهديد مع كلمة للأمين العام للحزب، لم يتطرق نصر الله إلى الموضوع في ما بدا إشارة إلى عدم رغبة في التصعيد. أما الاجواء التي سُربت عبر الاعلام لاحقا وفيها تهديد بتعطيل الحكومة أو تطييرها، فقد تم نفيها ، على قاعدة أنها ليست سوى تكنهات ولا ترقى إلى الصحة.
والواقع أن الحزب يدرك أنه لا يمكن تطيير الحكومة على خلفية هذا الموضوع، لأن تطييرها يفقده الغطاء الشرعي الوحيد الذي توفره له، باعتبار أنه ممثل فيها بوزيرين.
ولأن المصارف كانت مستهدفة بالتهديد، تداعى مجلس إدارتها إلى إجتماع إستثنائي السبت الماضي، وبحث في الموضوع. وبدا واضحا التوجه لدى المصارف التي يشكل القانون بالنسبة اليها قضية حياة أو موت. فالمصارف عاجزة كلياً عن المخالفة، وإلا فإن عدم الإنصياع يخرجها من النظام المالي الدولي، وقد أكدت ذلك بوضوح في بيان أصدرته على الاثر وأكدت خلاله أن “التزام المصارف القوانين اللبنانية والمتطلبات الدولية، بما فيها تطبيق العقوبات هي من المستلزمات الضرورية لحماية مصالح لبنان والحفاظ على ثروة جميع أبنائه وعلى مصلحة كل المواطنين والمتعاملين مع المصارف، مما يؤمن لهم سلامة استمرارية العمل من خلال النظام المالي العالمي. فالقطاع المصرفي اللبناني هو جزء من هذا النظام المصرفي العالمي، ومصارف لبنان موجودة في 33 بلدا وتعمل في ظل نظام العولمة المالية وتحترم كل متطلباته”.
على هذا الموضوع، تعلق مصادر مصرفية بارزة بالتذكير أن ما يتعرض له القطاع المصرفي اللبناني ينسحب على كل المصارف في العالم إذ إن تطبيق القانون يشمل كل الدول وليس لبنان وحده. وتكشف أن سويسرا اضطرت لتعديل قوانينها أخيرا لتتمكن من تقديم نحو 25 الف إسم!
وذكرت المصادر أن عدم التزام المصارف أو المصرف المركزي القانون يرتب مسؤولية كبرى على الدولة كما على “حزب الله” لأن عدم الالتزام يعرض المصارف المتخلفة كما مصرف لبنان للعقوبات، وهذا يعني إدراجها في اللائحة السوداء التي تعني حظر التعامل معها. ولا نعتقد أن لأحد في لبنان مصلحة في إدراج المصرف المركزي على لائحة كهذه. فلبنان بسلطاته المالية والنقدية بذل جهودا كبيرة ليكون ضمن المجتمع الدولي، ولا مصلحة لأي فريق بخروجه عن النظام العالمي لما يرتبه ذلك من عزلة دولية غير مقبولة بأي معايير”.
لم تخف المصادر انزعاج المصارف من القساوة التي يتسم بها القانون الذي وصفته بالجائر، والذي يستهدف سيادة الدولة على قوانينها وعلى مواطنيها، ولكنها في المقابل لم تخف قلقها من تداعيات أي تخلف لما يرتبه من إجراءات لا قدرة للبنان على تحملها. وذكرت أن لبنان يتلقى تحويلات بما لا يقل عن 8 إلى 9 مليارات دولار سنويا من اللبنانيين غير المقيمين، فضلا عن مساعدات دولية، ستكون كلها مهددة في حال عدم إلتزام القانون، لأنه سيتعذر تحويلها!
وكشفت معلومات عن توجه حاكم المصرف المركزي الى باريس نهاية الاسبوع الماضي ومنها إلى واشنطن ربما لمتابعة هذا الموضوع، بينما أكدت المصادر ان لا تعديل في التعاميم الصادرة عن المركزي إلا إذا رافقتها تعديلات أميركية.
وختمت مذكرة بأن لبنان يطبق قانونا أجنبياً على غرار كل الدول باعتبار أن الولايات المتحدة الاميركية تسيطر على التعاملات بالدولار في العالم ولا يمكن أي مصرف أن يعيش بدون حسابات بالعملة الخضراء!