Site icon IMLebanon

من هو مرشح الحزب؟

 

 

إذاً، إنّه الشغور على مسافة أيام قليلة. فهل جاء فارضاً نفسه على الجميع، رغماً عنهم، أم جرى التخطيط له بعناية، باعتباره مدخلاً طبيعياً إلى المرحلة اللاحقة؟

يعتقد خصوم الرئيس ميشال عون أنّ من الأفضل أن يصلوا إلى وضعية الشغور الرئاسي. ففي هذه الحال يصبح سهلاً اختيار الرئيس، لأنّ عون يكون قد بات ضعيفاً خارج السلطة، ويصبح تأثيره على مجريات الأحداث محدوداً.

 

لكن قراءة هؤلاء ليست واقعية لأسباب عديدة، أولها أنّ عون نفسه يتحكّم بالكثير من الأوراق قبل 31 تشرين الأول وبعده. ففي يده على الأقل قرار ولادة الحكومة الجديدة خلال الأيام الخمسة الباقية من الولاية. وهو لن يهدر هذه الورقة مجاناً، بل عل العكس سيبيعها بسعر مرتفع.

 

لا أحد قادر على إقناع عون بالتوقيع على حكومة جديدة إلّا حليفُه القوي الوحيد، «حزب الله». ولذلك، هو سيتشدّد في شروطه حتى اللحظة الأخيرة، ولن يتخلّى عن هذه الورقة الثمينة جداً ما لم يحصّل الثمن الذي يريده، والذي يضمن له البقاء قوياً، هو وفريقه السياسي، بعد انتهاء الولاية.

 

ويدرك عون أنّ حليفه الوحيد، «حزب الله»، حريص عليه وعلى رصيده وزعامته الوطنية والمسيحية، كما هو حريص على حليفه الرئيس نبيه بري. ولذلك، سيواصل «الحزب» اعتماد النهج الذي يلتزمه اليوم، أي الموازنة بين الحليفين، بحيث لا ينهزم أي منهما على يد الآخر، لأنّه يحتاج إليهما معاً.

 

لكن «حزب الله»، بالتأكيد، «يمون» على الحليفين لإقناعهما بتشكيل حكومة تتجنّب الفوضى الدستورية، إذا كان يخشى هذه الفوضى. فإذا لم تولد هذه الحكومة في الأيام الخمسة الباقية من العهد، فقد يعني ذلك أنّ «حزب الله» لم يجد حاجة إلى ممارسة الضغط الكافي على الحليفين لإنتاج تسوية حالياً.

 

في هذه الحال، ربما يكون «حزب الله» قد أرجأ الصفقة الداخلية إلى ما بعد الترسيم ونضوج التفاهمات الكبرى على المستويين الدولي والإقليمي، بحيث ترخي بظلالها على الواقع اللبناني. فالتفاهم المنتظر على الترسيم، باعتباره جزءاً من صفقة أميركية- إيرانية- أوروبية، سيمنح «الحزب» تغطية كبرى في مواقع السلطة والقرار خلال السنوات الست المقبلة.

 

في الترجمة، إنّ بلوغ اللحظة الأخيرة من ولاية عون، من دون تشكيل حكومة فاعلة تحظى بثقة المجلس النيابي، سيعني أنّ البلد سيدخل في مخاض سياسي- دستوري عنيف، يسود فيه العناد وغموض المواقف والإرباك.

 

في هذا المناخ من الفوضى وغياب المرجعية الدستورية القادرة على الحسم، والنقص أو الغموض في النص الدستوري، سيكون هناك مبرر لوضع النظام برمته قيد البحث على الطاولة. وفي المبدأ، وحده المجلس النيابي سيكون «شرعياً»، من دون التباس. ولذلك، إذا أقيمت هذه الطاولة في الداخل، لا في الخارج، فسيكون وحده المُخوَّل رعايةَ هذا النقاش.

 

وأما إذا حصلت مفاجأة في اللحظة الأخيرة، وتمّ استيلاد حكومة جديدة قبل نهاية الولاية، فمعنى ذلك أنّ الاتفاق قد تمَّ بين عون وخصومه، بتدبير من «الحزب»، على توزع المواقع والمكاسب في العهد المقبل، وأنّ التفاهمات الكبرى قد حصلت فعلاً، خلف الكواليس، وضمنت لـ»الحزب» مكاسبه الموعودة.

 

عندئذٍ، سيدخل لبنان مرحلة الشغور الرئاسي بحدّ مقبول من الاستقرار السياسي، توفّره حكومة تمارس صلاحيات الرئاسة بالوكالة، من دون إرباكات دستورية. ويمكن لفترة الشغور أن تطول أو تقصر. وأيضاً، سيكون لدى «الحزب» وقت كافٍ للمفاوضة من أجل تركيب سلطة جديدة يطمئن إليها على مدى سنوات. وفي الدرجة الأولى، سيعمل بتروٍّ لإيصال مرشحه المفضّل لرئاسة الجمهورية.

 

حتى اليوم، لا يبدو «الحزب» رافضاً بقوة لفكرة «الرئيس التوافقي» التي يحاول البعض تسويقها، وقد يقبل بها إذا كانت جزءاً من تفاهم كبير، وإذا كانت مرفقة بضمانات مطمئنة تتعلق بشخصية هذا الرئيس. إلّا أنّ خيار «الحزب» الأساسي يبقى الرئيس المنتمي إلى فريقه السياسي، أي الذي يعرفه جيداً وقد اختبره لفترة طويلة.

 

في هذا المعنى، ليس لـ»حزب الله» سوى حليفين مارونيين يتمتعان بما يكفي من الثقة لديه: عون (ومن خلاله النائب جبران باسيل) ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، مع فارق أنّ فرنجية يتمتع أيضاً بخصوصية العلاقة المباشرة مع دمشق، فيما انفتاح باسيل على دمشق يمرُّ عبر «الحزب».

 

يتردَّد أنّ فرنجية – الحليف القديم المخلص- تلقّى وعداً، في العام 2016، بأن يكون التالي بعد عون. ولكن، هل فعلاً تبدلت الظروف التي دفعت حينذاك إلى اختيار عون؟ أي، هل نضجت ظروف اختيار فرنجية أم سيُطلب منه الانتظار إلى ما بعد باسيل؟

 

حينذاك، تمَّ ترجيح عون بسبب اتساع حجم تمثيله للشريحة المسيحية. واليوم، ما زال فريق عون السياسي يحمل «يافطة» تمثيل واسعة للمسيحيين وعابرة للمناطق.

 

ولذلك، يتردّد في أوساط «التيار» أنّ هذا العامل سيدفع مجدداً إلى ترجيح باسيل. وفي تقديرها أنّ «حزب الله» ليس مربَكاً في الاختيار، لكنه ينتظر الظرف المناسب لتظهير موقفه.

 

حتى الآن، «حزب الله» يفضّل الصمت، وكذلك فرنجية.