كان فريق 14 آذار يعلَم أن ردّ حزب الله على عملية القنيطرة آتٍ لا محالة، لكنّه كان يمنّي النفس بأن يحذو هذا الرد حذو «ثأر عماد مغنية» من ناحية تأخيره. فرضية استبعاد الرد، على الأقل في المدى المنظور، كانت لا تزال قائمة من قريطم إلى الأشرفية وصولاً إلى معراب وبكفيا… إلى أن استفاق أطراف هذا الفريق على «أخبار عاجلة» أعادتهم سنوات إلى الوراء، إلى تموز 2006. استهداف موكب إسرائيلي، فردّ على الاستهداف، فبيانات وتحليلات وتهديدات أسرت الآذاريين وكبّلتهم نصف نهار، قبل أن يُحررهم إيحاء العدو بالإعلان عن قراره عدم التصعيد.
خمس ساعات حبس الآذاريون خلالها أنفاسهم، وجفّت ذاكرتهم إلا من صور عدوان تموز وما تكبّده لبنان خلالها من خسائر بشرية ومادية بسببها. وسرعان ما ترجمت هذه المخاوف في تصريحات وبيانات تحمّل حزب الله مسؤولية «توريط» لبنان.
«الافتتاحية» كانت مع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، في مؤتمر صحافي عقده إثر تأجيل الجلسة الـ18 لانتخاب رئيس للجمهورية، فرأى أنه «لا يحقّ للحزب توريط الشعب اللبناني في معركة مع إسرائيل، بل هناك حكومة ومجلس نواب يقرران هذا الموضوع»، فيما سأل الرئيس السابق ميشال سليمان: «أين مصلحة لبنان في جرِّه إلى حرب تحتاجها إسرائيل»، قبل أن تُصدر كتلة المستقبل النيابية، بدورها، بياناً رأت فيه أن «القرارات المصيرية والوطنية، بما فيها قضايا الحرب والسلم، هي من مسؤولية مجلس الوزراء». وهكذا دواليك، تصريح إثر آخر، هيّأت للانقضاض على الحزب سياسياً في ما لو ذهبت الأمور باتجاه التصعيد.
مصادر هذا الفريق لا تزال تعيش هاجس توسّع العملية، وتقول إن «الإسرائيلي لن ينام على ضيم. أمامنا أيام صعبة، ونتوّقع ضربة كبيرة في أي لحظة». ورغم بيان كتلة المستقبل، وصفت مصادر في التيار عملية شبعا بأنها «مباراة متكافئة»، بصفتها «ردّاً على الاستهداف الأمني الذي نفذته إسرائيل في القنيطرة ضد موكب لحزب الله». وأقرّت المصادر بأنه «لم يكن أمام الحزب إلا الردّ»، وهو «نفّذ العملية بذكاء، من خلال اختياره أراضي شبعا المحتلة، وهي منطقة متنازع عليها من وجهة نظر دولية، وأرض لبنانية محتلّة من وجهة نظر أغلب اللبنانيين. وبذلك برّأ صورته داخلياً ووضع عمليته في إطار المقاومة». ورأت أن «عمليتي القنيطرة وشبعا كانتا جسّ نبض متبادل لإمكانات الطرفين». وأضافت: «بالطبع خُيّل إلينا للحظات أن البلد مقبل على تكرار مغامرة أخرى، تبقى أصغر من مغامرة الحزب في سوريا التي لن تنجح أي محاولة للتعمية عنها على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلّة»، مشيرة الى أن «جبن إسرائيل وعدم قدرتها على شن عملية واسعة كانا سبباً في تهدئتنا».
ولكن ماذا عن الحوار السياسي مع الحزب؟ وهل شعر المستقبل بأن محاوره «خدعه» مرّة أخرى؟ «حزب الله لم يخدعنا. أصلاً هو لم يتعهّد لنا أبداً بأنه لن يقوم بأي خطوة ضد الإسرائيلي» على ما تقول مصادر مستقبلية أخرى مطلعّة على أجواء الحوار في عين التينة. تبدو المصادر أكثر واقعية من البيانات التي تُطلق «ليس لدينا أي أوهام بأن الحزب سيرفع أصابعه العشرة للدولة ومؤسساتها. نحن مستمرّون في الحوار، وسبق أن قلنا إننا لن نغادره لأي سبب من الأسباب، ولكن…»، تكمل المصادر: «الجلسات المقبلة لن تعود محصورة في تخفيف الاحتقان المذهبي، ولا في البحث في الملف الرئاسي، لكنّها على الأغلب ستوّسع جدول أعمالها للبحث في هذه التطورات وإقناع الحزب بعدم توريط لبنان في حرب لا يحتملها».