IMLebanon

«حزب الله»: قافلة الموت تكبر

مرة جديدة تتحوّل أسماء عناصر «حزب الله» إلى عنوان عريض يتصدر لوائح الموت. ومرّة جديدة تستقبل قرى الجنوب، حكايات تسبق النعوش، تتحدث عن شُبّان بعمر الورود سقطوا في غير موضعهم الحقيقي ومواقعهم الفعليّة، دفاعاً عن نظام كان لآباء هؤلاء الشُبّان وأقاربهم في سنوات خلت، «صولات وجولات» من الأذى والتعذيب النفسي والتصفيات الجسدية على يده، حتّى أن منهم من ولد يتيماً نتيجة جرائم كان ارتكبها هذا النظام منذ زمن مجزرة ثكنة «فتح الله». من الأسماء التي احتل أصحابها مدافن قرى الجنوب خلال الأيّام القليلة الماضية: محمد علي بيضون المعروف بلقب «كربلاء» من بلدة «الشهابية»، علي قشور من صور وحسين محمد الخطيب «نور الزهراء» من شقرا.

لم تمنع خطابات «النصر» ولا الشعارات الرنّانة ولا حتّى الهدن العسكرية المُعلنة منها والسريّة، توقف النزف الحاصل في صفوف عناصر «حزب الله» الغارق في الحرب السوريّة. فمرة جديدة يبرز الوجع نفسه كعنصر أساسي داخل بيئة «لا حول لها ولا»، سوى الإنصياع لأصحاب قوى الامر الواقع والذهاب مُرغمة إلى الموت من دون السماح لها حتّى بالتعبير عن ألمها ولا الإفصاح عن رغبتها بسلوك طريق العودة عن الخطأ. طائفة باتت تشعر بأن لا طريق مفتوحا أمامها، سوى طريق الموت.

يبقى الغرق في المستنقع السوري، الهاجس الأكبر الذي يُسيطر على «حزب الله» وقيادته وبيئته على وجه التحديد خلال المرحلة الراهنة، وهو هاجس بدأ ينعكس بشكل سلبي على نفوس مقاتليه بعدما أصبح الموت صفة يومية تلازمهم في حياتهم على الجبهات الغريبة خصوصاً وان امرة عمليات قتلهم، تنتقل من منطقة إلى اخرى، والتي يبدو انها استقرّت نوعاً ما في الفترة الاخيرة، في مدينة «حلب» التي استقطبت الجزء الأكبر والأضخم من نكبات «حزب الله»، تحديداً خلال الأشهر الثلاثة الاخيرة.

يوم اندلعت الانتفاضة في فلسطين على يد أطفالها والتي عُرفت حينذاك بثورة «أطفال الحجارة» وبدأت في حينه قوافل الشُهداء تتساقط برصاص الاحتلال الإسرائيلي، أطل الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في كلمة عبر الإعلام ليقول: «لا نريد أن يأتي يوم ويُصبح فيه قتل الفلسطينيين بالنسبة إلينا أمراً عاديّاً». يومها لم يكن نصرالله يدرك أن الأمور يُمكن أن تتبدّل وأن النظرة إلى الموت على أنّه شيء عادي يُمكن أن تنتقل إلى بيئته وجمهوره على غرار ما يحصل اليوم لعناصر الحزب الذين يقضون في سوريا. ففي ظل غياب الاحصائيات الرسمية لعدد عناصر الحزب الذين سقطوا منذ بداية التدخل وحتّى اليوم، تؤكد التسريبات التي تخرج عن بيئة الحزب، بأن العدد قد تجاوز الألفي عنصر. ويذهب هؤلاء إلى حد قطع الشك باليقين في ما يتعلق بالعدد الفعلي، بقولهم أنه في «حلب» و«القلمون» فقط، خسر «حزب الله» ما لا يقل عن الف مقاتل.

من المؤكد أن قيادة «حزب الله» تسير اليوم على منهج يقوم على طبيعة التأقلم مع القتل وربما تمكّنت في مكان ما، من تثبيت هذا التأقلم خصوصاً في ظل إنعدام فرص امتناع مُعظم شبّان القرى الشيعية عن المُشاركة في الحرب السوريّة. لكن الأصعب من هذا التأقلم، هو الترخيص بهذا الموت يوم جرى الإعلان بالتضحية بثلثي الشيعة في لبنان، مُقابل أن يعيش الثُلث المُتبقّي بكرامة. لكن وفي المقلب الآخر، ثمة من رأى في هذا الإعلان، موقف ضعف ينم عن العجز عن ايجاد مخرج للأزمة التي أوقع «حزب الله» نفسه فيها ونالت منه الجراح، خصوصاً وانه دخلها مُهاجماً، لكنه سُرعان ما ارتد إلى الدفاع.

في سياق الخسائر التي يُمنى بها «حزب الله» في سوريا، ثمة أحاديث لم تخرج بعد إلى العلن تُشير إلى أن الغارة الأميركية التي قيل أنها استهدفت منذ أيّام موقعاً للنظام السوري في منطقة دير الزور، إنما هي استهدفت بالفعل نقطة تمركز حسّاسة لقوّة من «حزب الله» تابعة لـ«القوّة الخاصة» في الوحدة الصاروخية في الحزب. وهناك من يؤكد أن تطمينات وصلت إلى قيادة «حزب الله» في بيروت، تؤكد أن الغارة وقعت بعيداً عن نقطة تمركز عناصر الحزب، لكن هذه التطمينات لم تمنع الشارع الجنوبي والبقاعي بالأمس، من التطرق إلى خسارة «حزب الله» ما يُقارب العشرة عناصر من دون ذكر أسماء او بلدات، على أن يُترك للمقبل من الأيّام، الكشف عن حقيقة هذا الإستهداف من عدمه.

يبقى القول أن ما تُظهره الدراسات والتقارير التي يُقيمها أفراد ومؤسسات رسمية وغير رسميّة، هو أن الطائفة الشيعية بأكملها ومن ضمنها جمهور «حزب الله»، ما زالت تُصر على أن عدوّها الأبرز هو العدو الإسرائيلي، حتّى أن هذه الطائفة الكريمة ما زالت تعتقد وتؤمن بأن الخطر المُحدق بها ليس من سوريا، بل من الحدود الجنوبية التي بدأت تتعرّض لنهب ثرواتها في البر والبحر. وهذا الاعتقاد تُرجم على أرض الواقع منذ أيّام من خلال تسجيل بين شاب وسيدة عجوز، جاء على نحو «فُكاهي» لكنّه عبّر عن حالة عدم رضى داخل الطائفة الشيعية، عن الحرب التي يخوضها الحزب في سوريا. في بداية التسجيل تبدأ السيدة الجنوبية بالتضرع إلى الله لكسر إسرائيل وأعداء «المقاومة»، وتستمر على هذا المنوال، إلى ان يدعو الشاب لأبنها عباس بالإستشهاد في سوريا. في تلك اللحظة، تتفلّت العجوز من عقالها، لتبدأ بشتم الشاب وعائلته، وتدعو لهم بالموت في سوريا.