تحبس الساحة اللبنانية أنفاسها في انتظار تبلور مشهدين، الاول سعودي ـ ايراني افرزته مجزرة اعدام الشيخ نمر النمر، نسبة للمتوقع من تداعيات على اكثر من مستوى، قد لا يسلم لبنان من شظاياها ما لم تطوق ذيولها سريعا، في ضوء ارتباط اطراف الداخل بالمحاور الاقليمية، والثاني ايراني ـ اسرائيلي تمثل بالعملية النوعية لحزب الله داخل مزارع شبعا وما قد تكون فرضته من معادلات يتوقع ان تتظهّر في الايام القليلة المقبلة، خاصة أن بيان حزب الله تجاهل فرضية الرد على تصفية قيادات المقاومة في الجولان من جهاد مغنية وصولا الى سمير القنطار، ما يعني عمليا أن الردّ لن يقتصر على تلك الخطوة اليتيمة.
التطورات تأتي في ضوء تقديرات الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، بأن التحدي البارز في الأشهر المقبلة، يتمثل في كيفية رسم خط أحمر جديد، على ضوء تراجع قدرة الردع الاسرائيلية في مقابل حزب الله. من هنا تنطلق ادارة العمليات على الحدود الشمالية باعتبارها جبهة اعيد احياؤها، مع الاخذ بالاعتبار قوة الحزب الهجومية «في التسلل والغزو» في اطار استراتيجية «نقل المعركة الى أرض العدو»، ما يتيح له القيام بعمل دفاعي وهجومي في مقابل إسرائيل، وتعمده اظهار وجوده على الحدود مقابل المواقع العسكرية للجيش الاسرائيلي، رغم موجبات القرار 1701، واستعماله تكتيكات وتقنيات جديدة، مع تحويل أطراف الصراع مزارع شبعا الى منطقة احتكاك دائم، تماماً كما كان الوضع قبيل حرب تموز 2006، رغم ما يكشفه أصحاب تلك النظرية عن ان الاستراتيجية المتبعة حتى الساعة شمالا لا زالت على حالها رغم التطورات الدراماتيكية مع الاكتفاء باستخدام القوة في حالات تجاوز الخطوط الحمراء، رغم اقرار الجميع بان تلك المقاربة والترتيبات ستتغيرعاجلا ام آجلا.
فالعملية التي جاءت في سياق الظروف والاحداث المترابطة التي تمر بها المنطقة، حملت في طياتها اكثر من دلالة وهدف تقول مصادر في 8 آذار، ذلك أن الرسائل التي اراد الحزب ايصالها كثيرة سواء للداخل اللبناني من خلال النقاط الآتية:
– الشكل اللافت للاعتراف بالعملية من خلال نسبها إلى «مجموعة الشهيد سمير القنطار».
– محاولة الحزب فرض قواعد اشتباك جديدة على قاعدة اظهاره قدرته على القتال على أكثر من جبهة، حيث لكل منها كوادرها القتالية وجهوزيتها وحيثياتها الخاصة.
– التفجير وقع ضمن منطقة لا تعترف الدولة اللبنانية بأنها خط أزرق وأنها مناطق لبنانية محتلة من قبل إسرائيل ولا يسري عليها قرار مجلس الأمن لكن قوات اليونيفيل التي فتحت تحقيقا في التفجير أعلنت أنه يشكل انتهاكا للقرار1701.
– حملت العملية في طياتها رسالة ابعد من الاهداف المعلنة، تمثلت بالتلويح بورقة تفجير الجبهة مع اسرائيل اذا ما حاول الغرب وضع «حزب الله» على قائمة الارهاب لحشر محور الممانعة الايراني- السوري، عشية الحديث عن تسويات وتضييق للخناق عربي- اسرائيلي- دولي على الحزب.
– في بعدها المعنوي تركت العملية تاثيرا ايجابيا لدى جمهور الحزب،حيث نجح الحزب في استيعاب رغبة شارعه المتعطش للانتقام منذ عام 2008 ردا على قتل قادته من عماد مغنية مرورا باللقيس وصولا الى مغنية الابن ومن كان معه، خاطبا ود الشارع والجمهور المنتشي بانتصاره.
– يمكن ادراج العملية في باب تسجيل النقاط ليس الا، في ظل ادراك الطرفين عدم جدوى دخولهما في مواجهة مفتوحة في الوقت الحالي.
– التزام الحزب بالرد في منطقة «عمليات تاريخية» بين الطرفين باعتبارها «منطقة لبنانية محتلة»، محترما بذلك «الستاتيكو» العسكري والسياسي القائم بين الطرفين برعاية دولية وتحت اشراف الامم المتحدة.
– تفادي الحزب اسر اي جندي حياً او ميتاً، لعدم رغته في «احراج» تل ابيب ودفعها الى حرب واسعة كما حصل في العام 2006.
– اختيارالرد من جنوب لبنان وليس من سورية، مرده، الى اعتبار الحزب ان اي رد من سورية كانت ستتبعه ضربة اسرائيلية للقوات السورية.
واذا كان يسجل لـ«حزب الله» نجاحه من خلال حرفية تنفيذها في لحظة بالغة الدقة، مسددا «ضربة» للجيش الاسرائيلي، فان ذلك لا يخفف منسوب القلق من امكان دخول الطرفين، اسرائيل و«حزب الله»، في لعبة تقاذف كرة النار عبر عمليات امنية استخباراتية تبقى رهن الجانبين بحسب المصادر، ذلك ان رد الحزب الذي جاء متوقعا في حدوده الجغرافية والزمانية، لجهة عدم الدفع باتجاه الحرب الشاملة، بين في مكان ما نجاح الحزب في اختراق الاجراءات الاسرائيلية، ما سمح له بتنفيذ عمليته التي تخطت في اهميتها عدد القتلى والجرحى والآليات المدمرة الى توجيه رسالة حول قدرته على الرصد وجمع المعلومات الاستخباراتية بشكل سريع والتعامل معها، رغم التدابير المتخذة، وهو ما تظهره العملية حيث يتوقف المحللون العسكريون عند بعض النقاط:
– تنفيذ العملية جاء في عمق منطقة المزارع، في رقعة تحيط بها أربع مواقع إسرائيلية، العباسية، السمّاقة، رويسة القرن، الرمثة، ويشكّل الوصول اليها صعوبة ولا يمكن إختراقها بسهولة، نظراً للتحصينات المقامة على مقربة منها ولا سيّما وجود ثكنة عسكرية كبيرة على مسافة غير بعيدة تقع عند مثلث المزارع – الجولان – اسرائيل.
– دقة التنفيذ التي ميزت العملية، ونوع العبوة المتطور وسرعة انسحاب المقاتلين من مكان الكمين في وضح النهار، خاصة ان المعلومات المتوافرة تتحدث عن خفي مجموعة التنفيذ لايام في المكان مستفيدة من الطبيعة الجغرافية للمنطقة والظروف المناخية الصعبة وكثافة الضباب، التي سهلت التسلل وسمحت بتخطي كل الاجراءات الامنية والفنية المعتمدة واعلى درجات الاستنفار والجهوزية من الناقورة الى الجولان.
– عدم حصول اي اشتباك او اطلاق نار خفيف او متوسط بين الطرفين،ما دفع بمدفعية الجيش الاسرائيلي الى اعتماد التمشيط المدفعي بالقذائف العنقودية في ملاحقتها لعناصر الحزب.
قد يكون من الصعب الخوض حاليا في اي تكهنات وخلاصات قد تأتي متسرعة حيال هذه التطورات في انتظار مزيد من الرصد الميداني للمستجدات على الرقعة الممتدة من الناقورة الى الجولان الذي باتت على صفيح ساخن، رغم ان المعطيات المتوافرة تؤشر الى ان رد الحزب جاء مدروسا جيدا وذكيا، اذ قيس «بميزان الذهب»، لجهة اختيار ساحة الرد، اذ تبدو اسرائيل حتى اللحظة كمن اضطر الى بلع الضربة، والمؤشرات على ذلك كثيرة، ابرزها رد تل ابيب الذي اقتصر على القصف المدفعي الروتيني.
في كل الاحوال، يأتي حادث مزارع شبعا في وقت اختلفت فيه الآراء بشأن احتمالات تدهور الوضع مع لبنان.فهل قررت اسرائيل و«حزب الله» طي صفحة الحساب العسكري المفتوح بينهما موقتا، والاكتفاء بهامش الردود الموضعية المحدودة في الزمان والمكان بفعل الضغوط الدولية الممارسة على أعلى المستويات من اجل لجم التدهور في المنطقة؟ هل انتهى الشوط وماذا عن مجريات المباريات؟ الكثير من المراقبين يرون ان كل المؤشرات تدل الى ان «المواجهة الحتمية» واقعة لا محال. فالطرفان يستعدان لها ويبنيان عليها، ليبقى السؤال الكبير اين وكيف؟