IMLebanon

حزب الله» يلتزم حدوده

لم يخرق «حزب الله» في عمليّته الثأرية في مزارع شبعا المحتلة ردّاً على العملية التي استهدفَته في القنيطرة قبل عشرة أيام، قواعدَ «اللعبة» والإشتباك مع إسرائيل. بل أعادَ من خلالها تموضعَه السياسي والعسكري، مكتشِفاً في الوقت ذاته حدودَ الدور القادر والمسموح له به في لعبة التوازنات الإقليمية والدولية.

لعلّ القصف الإسرائيلي لمواقع الجيش السوري في هضبة الجولان المحتلّة عشية عملية الحزب، يؤكّد أنّ شعارَ توحيد الجبهات وتمدّدها من جنوب لبنان إلى الجولان، ليس أكثر من شعار للاستهلاك الداخلي.

منطقيّاً، كان يُفترَض أن يأتيَ ردّ الحزب من الجولان، فيما ردُّه من «المزارع» يضمن له توظيفَ العملية في الشكل الذي أراده داخليّاً، بما يضمن عدمَ تحوّلها حرباً شاملة، لا أحد يريدها.

أوساط أميركية عسكرية اعتبرَت العملية ردّاً محسوباً ومضبوطاً بدقّة وبلا مفاجآت، هذا إذا أخذنا في الاعتبار ما بدا «تبليغاً» إيرانياً مسبَقاً عنها، على ما نُقِل عن مساعد وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان قبل أيام.

فقرار الحرب في الجولان عاد ليكون في يد إسرائيل التي أكّدت أنّها لن تسمحَ بكسر قواعد اللعبة هناك، فيما تُمسِك وبنحوٍ كبير بأدوات النزاع ومآلاته على مستقبل النظام السوري برُمَّته. وتعترف تلك الأوساط بأنّ «الخطأ» الذي وقعَ فيه الحزب في القنيطرة، وقعَت فيه إسرائيل أيضاً، بعدما تبيَّن أنّ العملية استهدفَت موكباً عسكرياً بسيّارات مدنية.

فالمعلومات تشير إلى أنّ الموكب «المدني» كان يضمّ تسعَ سيارات، لا ترافقها حماية مدرّعة، بعدما أوقفَت إسرائيل دوريّاتها العسكرية في المنطقة خوفاً من تعرّضها لمكمن. وهذا يعني أنّ عملية رصدٍ ناجحة حدّدت هوية الموكب وطبيعته بدقّة، ولم تستهدف مدنيّين إسرائيليين، الأمر الذي كان سيؤدّي إلى عواقب خطيرة.

فالعملية إذاً «نظيفة» وتُثبِت مجدّداً القدرات التي يتمتّع بها الحزب في تلك المنطقة. لكنّ السؤال، ماذا بعد؟

تعتقد تلك الأوساط أنّ الأمر لن يتجاوز ما حصل، خصوصاً أن لا مخاوف من اندلاع مواجهةٍ كبيرة أو شاملة، سواءٌ في لبنان أو في الجولان. وتلك المواجهات عادت لتكون مألوفة في الستاتيكو القائم بين إسرائيل و»حزب الله»، بعدما كرّست تل أبيب توازنَ القوّة المسموح به، في ما يتعلق بالأزمة السوريّة.

يستطيع الحزب أن يعود إلى خطابه السياسي ولعبتِه الداخلية، طالما إنّ الملفّ الإقليمي هو في يَد الراعي الأكبر في طهران الذي يدير لعبةً دقيقة، داخلياً وخارجياً.

هناك مَن يقول إنّ ما أُنجِز في مدينة «عين العرب» مرجَّحٌ للتأسيس عليه في سوريا من الآن فصاعداً. ولا يُخفي مسؤولون أميركيون تفاؤلَهم، بعد دحرِ تنظيم «داعش» عنها، لتأكيد خطابٍ لم تكفّ الإدارة الأميركية عن تردادِه بضرورة بناء قوى محلّية قادرة على الإفادة من الغطاء الجوّي الدولي، بما يَضمن في نهاية المطاف ضربَ هذا التنظيم في كلّ مِن العراق وسوريا.

وتكشف بعض التسريبات أنّ المساعي قائمة لضَمّ الأكراد إلى الوحدات العسكرية التي سيتمّ تدريبها من المعارضة السورية المعتدلة، لتشاركَ في إقامة منطقةٍ آمنة شمال سوريا وصولاً إلى مدينة حلب، بما يشكّل حافزاً «لأهلِ السُنّة» في تلك المنطقة، بالتوازي والتناغم مع ما يُحضَّر له لتحرير الموصل، لإبعادهم عن «دولة أبو بكر البغدادي».

وأعلنَت وزارة الدفاع الأميركية أنّها رصدَت في موازنتها التي سترفعها الأسبوع المقبل إلى الكونغرس، 5.3 مليارات دولار لمواصلة العمليات الجوّية ضدّ «داعش»، من بينها مليار و300 مليون دولار لتدريب القوّات العراقية والكردية ووحدات من المعارضة السوريّة المعتدلة.

ما تقدَّم، يكشف بنحوٍ لا لبسَ فيه أنّ أمرَ إعادة رسم خطوط الإشتباك وتداخُل المصالح المحَلّية والإقليمية، قد يكون عمليةً مديدة، فيما التكهّن بمستقبل سوريا والمنطقة أمرٌ عسير في ظلّ التفكّك الذي ستعيشه طويلاً.