من عادة «حزب الله» أن يُطهّر نفسه عن بقيّة اللبنانيين وأن يُنزّه أفعاله ويرفعها إلى حد «القداسة» خصوصاً إذا ما لامست أفعاله حد الجرم وجرّ البلاد إلى آتون الخراب إن من خلال تعديه على المؤسسات العامة وإستباحة المال العام، أو من خلال تفرّده بالقرارات المصيرية ورهنه البلد لصالح مشاريع أبعد ما تكون عن مصالح اللبنانيين.
بالأمس طالع «حزب الله» اللبنانيين من داخل «دويلته« في حارة حريك، ببيان صادر عن كتلته النيابية تتهم فيه الحكومات المتعاقبة بالفساد وامتداده إلى العهد الحالي وما يتخلله من هدر للمال العام والإبتزاز وتمرير الصفقات والرشاوى، في إشارة واضحة وصريحة تندرج ضمن إطار التهديد بفرط عقد الحكومة، ناقضة بذلك كل ما جاء في السابق على لسان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله حول الشراكة الوطنية والتمسّك بحكومة تُعبر عن تطلعات اللبنانيين. وهو ما يعني أيضاً، أن الحزب قد ينحو في أي وقت بإتجاه زعزعة الوضع وإعادة عقارب الساعة إلى زمن الفلتان الأمني والمؤسساتي خصوصاً في ظل الأزمات التي يعيشها بين الداخل والخارج.
في بيانها حاولت كتلة «الوفاء للمقاومة» الهرب من الموت الذي يلاحق «حزب الله» في سوريا، لتعلق في نفايات بيروت وضواحيها، بيروت التي استهدفها نواب الحزب قبل عناصرهم يوم حوّلوها ذات أيّار إلى ثكنة عسكرية لجحافلهم ورموها برصاصهم مُخلّفين وراءهم قتلى وجرحى قبل أن يتركوها تلملم جراحها على وقع أنين اهلها. ومن المفارقة أن نواب الحزب دعوا المواطنين إلى محاسبة المسؤولين عن الفساد، متناسين فسادهم في مرفأ بيروت وفي مطار الرئيس رفيق الحريري وفي الوزارات والإدارات التي تتبع لملكيتهم العامة والخاصة ولدويلة لا تعترف بحدود للوطن.
مفارقة «حزب الله» تجلّت من خلال الحديث عن «الإرتجال الذي يحكم أداء كثير من المسؤولين في لبنان»، علماً أن القاصي والداني يعلم أن الحزب هو من أسّس معاهد ومدارس سياسية تُبشّر بتعاليم الإرتجال والإستئثار بالبلد وبمقدراته، فكان أوّل من رسم الخطوط الحمر في وجه المؤسسة العسكرية وأوّل من نقض حقوق الطوائف الأخرى يوم إنقلب على الشرعيّة وما أنتجته الإنتخابات النيابية، ليفرز بعدها حالة جديدة في البلد اسمها القفز فوق القوانين والأعراف واضعاً عنواناً وحيداً لإنقلاباته «الغلبة لمن يمتلك السلاح».
لا يشفع لـ»حزب الله» أمام اللبنانيين، اللعب على غرائزهم وتأليبهم على دولتهم وحكومتهم وهم الذين خبروه في قتله وقتاله في سوريا وفي سيطرته على مناطق وقرى وبلدات بأكملها وإخضاعها لمنطق «دويلته«، وفي إستباحته للمرافئ كافّة وحمايته لفارّين من وجه العدالة وإستئثاره بقرار الحرب والسلم وبمنع الأجهزة الأمنية من مساءلة عناصره تحت أي من الأسباب إلا بعد مراجعته، وفي تورّطه بإرتكابات في أكثر من دولة وتعريض العلاقات اللبنانية بدول شقيقة وقريبة للإهتزاز. فهل بعد هذا كله يعود للحزب حق السؤال عن الأسباب التي أوصلت المواطن إلى هذه الحالة؟
اليوم وبعد مرور ثماني سنوات على حرب تموز التي تفرّد «حزب الله» بقرارها، يعود الحزب إلى نغمة «الإنتصار» ذاتها التي ما انفك يُتحف بها اللبنانيين في مثل هذا الوقت من كل عام ليُعيد على مسامعهم حكايات وبطولات خلّفت مئات الشهداء والأيتام والأرامل وتركت وراءها دماراً وخراباً لم يمحُ «المال النظيف» آثارهما بعد. والأنكى من هذا كلّه، أن الحزب تحوّل إلى شريك للناس التي دُمّرت منازلها بعدما اقتطف مساحات لحساب شركاته الخاصة بحيث صار يجاور الناس في عقاراتها إمّا بمنازل أو بمستودعات.