IMLebanon

«حزب الله».. الارتباكات تفضح الارتكابات

التطرُّق إلى «الإنجازات» التي حقّقها الحزب منذ دخوله الحرب السورية، مع أي شخص أو جهة تنتمي إلى «حزب الله»، يقود تلقائيّاً إلى «نغمة» تتكرّر على ألسنة الجميع ويجري تناقلها من «شُعبة» إلى أخرى، هي أن «حزب الله في سوريا، قلب الميمنة على الميسرة»، لكن الحديث لا يقف عند هذا الحد، إذ له تكملة تقول «لقد كان بشّار الأسد على وشك مغادرة قصر الشعب الذي كان مُحاصراً، لكننا أعدناه ومكّناه على الكرسي وها هو صامد بدعمنا».

جُمَل وشعارات تُسقط كل ما كان يدّعيه «حزب الله» وما زال، بأن دخوله إلى سوريا، كان أوّلاً وأخيراً، بهدف حماية «المقامات» وإبعاد «التكفيريين» عن القرى الحدودية. والهدف نفسه يتأكد يوماً بعد يوم ويصل إلى نتيجة واحدة مفادها، أن أكثر من ألفي شاب ينتمون إلى «حزب الله»، قد سقطوا دفاعاً عن الأسد ونظامه، وبأن الحزب مُستعد لأن يخسر ضعفَي هذا العدد، في سبيل الإبقاء على النظام السوري، وفي السياق نفسه، أتت المقولة الشهيرة «التضحية بثلثي الطائفة الشيعية، من أجل أن يعيش الثلث المُتبقّي بأمن وكرامة».

ما يُشغل بال جمهور «حزب الله» خلال الفترة الآنية، التعقيدات التي يفرضها قادة الحزب على الملف الرئاسي الذي لم ينضج حتّى اليوم، والجمهور نفسه يُدرك، أن قرار حزبه ليس في يده، بل في إيران التي تمنع الحل والتوافق بانتظار النتائج التي ستحملها الحرب في سوريا. وهذا الجمهور مُدرك بأن الانتظار هذا، معقود على حياة أبنائهم هناك، ومن هنا يأتيهم اليقين بأن هؤلاء الأبناء، هم مُجرّد أداة بيد الإيرانيين وتحديداً قادة وضباط «الحرس الثوري الإيراني» الذي تُديره منظومة «الولي الفقيه».

من بين هذه التنظيرات التي يُطلقها قادة «حزب الله»، كلام للشيخ محمد يزبك أمس قال فيه «لقد عدنا إلى تبريرات الجمود، وغموض يلفه غموض، حول ما يجري في واقعنا السياسي المؤلم، لا تقبل نصائح ولا يستجاب لدعوة حوار وتفاهم، والعودة إلى المؤسسات بعيداً عن القال والقيل، وكأن القوم لا يشعرون بالخطر، وما ينتظر لبنان من واقع اقتصادي اجتماعي مخيف، وهل يكون العلاج بالتهرُّب من تحمّل المسؤولية»؟. من نافل القول إن الحزب هو مَن اعتمد «نهج» التبرير كمادة سياسية أساسيّة، لكل أفعاله وارتكاباته منذ أن أدار سلاحه إلى الداخل اللبناني، وصولاً إلى الحرب التي فتحها على الشعب السوري بأطفاله ونسائه. و«حزب الله»، كان أوّل من دق المسمار الأخير في نعش مؤسسات الدولة ومرافئها ومرافقها، وأوّل من انقلب على الشرعيّة، وهذه دويلته خير دليل لكل من يُريد استطلاع حقيقته وادعاءاته ونواياه المُبيّتة.

منذ اليوم الأوّل لذكرى عاشوراء وخطابات قادة «حزب الله» من أعلى الهرم إلى أسفله، تصب في اتجاه واحد «البقاء في سوريا حتّى النصر». خطابات جاءت على عكس ما تهواه قاعدة الحزب الجماهيرية أو ما تأمل حصوله في أي وقت، وهي التي كانت وما زالت تنتظر في مكان ما، بصيص أمل يُنبئ بإمكانية استعادة الأبناء بشكل نهائي من أرض الموت. لكن رياح الحزب، غالباً ما تأتي بعكس ما تشتهي أنفس الأهالي الذين ينقسمون إلى فئتين: فئة تنتظر لحظات عناق غابت عنها لوقت طويل، وأخرى تكتفي بذرف الدموع والتحسّر على أيّام مضت لم يكن فيها الاحتفاظ بالبزة العسكرية والسلاح و«الوصيّة»، أقصى ما تحلم به.

أمس، لم يُسقط بشار الأسد خوف وهواجس أهالي عناصر «حزب الله» الذين يُدافعون عن نظامه، بل العكس، فقد زادهم يقيناً بأن ما يقوم به أبناؤهم، لا يصب إلا في مصلحة الدول الإقليمية من بينها روسيا وإيران. ألقى الأسد بحسب ما نقلت عنه صحيفة «كومسومولسكايا برافدا» الروسية، باللائمة على ما يحدث في سوريا على «الصراع الروسي – الأميركي»، وهو اعتراف واضح وصريح منه، بأن الحرب في سوريا هي حرب دولية وإقليمية، وليست كما ادّعى الحزب، بأنها دفاع لا عن «المقدسات» ولا عن المعتقدات، ولا حتّى عن الحدود اللبنانية – السورية، التي أصبحت قاعدة لدباباته وناقلات صواريخه بالاتجاهين.

هو موت يتسلّل بشكل يومي إلى داخل بيئة «حزب الله». بيئة ليس الوقت المُلائم لمُجادلتها بصوابية سقوط أبنائها في سوريا من عدمه، فالوقت هو للدموع والحسرة فقط. لباس أسود دائم يُخفون في داخله ارتباكاتهم وأوجاعهم وأنيناً لا يجدون بديلاً عنه للعبور إلى الذات ليبحثوا في داخلها عن فلذات أكباد كانوا بالأمس بينهم يتلمسون وجوههم ويتحسّسون وجودهم. أبناء رحلوا ولن يعودوا سوى في أحلامهم أو سهواتهم. وأكثر ما يؤلمهم، تنظيرات القادة وارتكاباتهم والوعود بالجنّة في وقت يتحوّل فيه أبناؤهم، إلى حقل تجارب إمّا في نقطة مُشتعلة، أو على جبهة لم يسقط فيها شارع بيد «الممانعة» منذ خمسة أعوام.