يقترب الميدانان السوري والعراقي، على إيقاع التطوّرات العسكرية والسياسية، من المعارك في منبج وريف حلب إلى ريف دمشق، ليتحوّلا إلى ميدان واحد، إنّها مرحلة تبلوّر مجموعة من الثوابت على مستوى اللاعبين كما على مستوى المرتكزات. هذه الثوابت ستفضي ربما في القريب العاجل إلى إرساء ستاتيكو جديد في سوريا والعراق سيكون له إنعكاساته على الساحة اللبنانية:
1- استعادة السيطرة على المناطق التي تقدّمت إليها الميليشيات الموالية لإيران في ريف حلب الجنوبي خلال العام المُنصرم. جيش الفتح قَلَب المعادلة في الشمال السوري بعدما فرضّ سيطرته على مناطق استراتيجية مهّدت الطريق أمامه ليعود لاعباً بارزاً في ريف حلب الجنوبي، متفوّقاً على الآلة العسكرية الروسية والإيرانية في مساحة جغرافية ضيقة جداً. في الوقت الذي يسود استياء كبير في صفوف حزب الله والمسلّحين الإيرانيين، بسبب غياب الدعم الجوي الروسي، الذي في حال استمراره فإنّ النظام والمسلحين الموالين له قد يخسرون بلدة الحاضر، المركز الأكبر في تلك المنطقة الاستراتيجية والمركز الأساسي للقوات الإيرانية. هذا بالإضافة إلى الموقف العسكري الجديد في ريف دمشق وتمكّن المعارضة السورية من فتح الطريق بين مدينتي داريا ومعضمية الشام وكسر الحصار المفروض على داريا منذ سنوات.
2-تكريس التحالف العراقي الأميركي والذي تجلّى في النجاح الذي تحقّقه القوات العراقية في معركة الفلوجة. إنقلب المشهد الميداني الذي رافق الإخفاقات العراقية السابقة، مما يُنذر بإنهاء الوجود العسكري للتنظيم بعد تحرير الموصل الذي أضحى معركة أميركية بامتياز. هذا النجاح لا يمكن فصله عن النجاح الذي تقوم به قوات سوريا الديمقراطية. الخطة الأميركية المنسّقة مع الأكراد تقضي بقطع كل خطوط الإمداد بين منبج وريف الرقة وحدود تركيا، قبل انطلاق «قوات سوريا الديموقراطية» للسيطرة على الرقة. في إشارة إلى أنّ التحالف الدولي بقيادة أميركا يقدّم الدعم لـقوات سوريا الديموقراطية الكردية – العربية في معاركها ضد داعش.
3- الإنخراط العسكري الأميركي في البحر المتوسط، عبر إرسال حاملة الطائرات الأميركية دوايت دي أيزنهاور الأسبوع الفائت إلى جانب الحاملة «هاري إس ترومان» ترافقها مجموعة قتالية من سفن ومدمرات وطائرات حربية، للمشاركة في الضربات الجويّة الأميركية على أهداف لـداعش في العراق وسوريا. وتتزامن هذه الخطوة مع تدريبات عسكرية لحلف شمال الأطلسي في شرق أوروبا وتركيا مما يزيد التوتر مع روسيا التي تنشر سفناً حربية وغواصات بالبحر المتوسط.
4- الإلتزام الروسي بالأمن الإسرائيلي والذي أضحى ثابتة روسية كرّسته الزيارات الثلاث التي قام بها نتنياهو لإسرائيل خلال عشرة أشهر، والتنسيق خلال العمليات في سوريا. الدور الروسي في هذا المجال أضحى أداة أميركية. المناورات العسكرية الإسرائيلية الروسية التي تقرّر إجراؤها في البحر المتوسط بين نتانياهو والرئيس بوتين خلال الصيف القادم بين سلاحيّ البحرية، والجو الإسرائيلي والروسي يدلّل على رغبة الجانبين في توسيع العلاقات العسكرية بينهما. وتُعتبر هذه المناورات هي الأولى في التاريخ العسكري في الشرق الأوسط التي تنطلق فيها طائرات روسية من دولة عربية وهي سوريا من قاعدة حميميم بالقرب من اللاذقية، بينما تبحر سفن حربية روسية من قواعدها في طرطوس واللاذقية، للمشاركة في مناورة مع طائرات وسفن حربية إسرائيلية، تنطلق من قواعدها في حيفا وأسدود».
5- تجريد حزب الله من الغطاء الأوروبي بما يتجاوز المحاولات التي يقوم بها حزب الله لاستثناء المؤسسات الصحية والإجتماعية من العقوبات الأميركية. لقد كشفت مصادر ديبلوماسية أنّ هناك مشروع قانون في الكونغرس الأميركي قُدّم قِبَل أيام من الإتّحاد الأوروبي يطلب تصنيف حزب الله في مجمله على أنّه منظمة إرهابية، وزيادة الضغوط عليه وإصدار مذكرات اعتقال ضد أعضاء في الحزب وناشطين فيه وتجميد أرصدة الحزب في أوروبا، بما في ذلك الأرصدة التي تعمل تحت غطاء الجمعيات الخيرية، وما هو خاضع لحظر أنشطة جمع الأموال لدعم حزب الله، وقد وَقَّع على المشروع حتى الآن23 نائباً.
6 – الضغط الأميركي على أوباما: يمكن اعتبار المذكّرة الإحتجاجية التي رفعها خمسون متخصصاً في الشأن السوري في وزارة الخارجية الأميركية للرئيس باراك للإعتراض على السياسة التي تتبعها الإدارة الأميركية حيال سوريا إجراء غير مألوف يعتمده دبلوماسيون بوجه البيت الأبيض. ويحثّ موقّعو المذكرة الإدارة على توجيه تهديد يتمتع بصدقية بالقيام بعمل عسكري ضد حكومة الرئيس الأسد. ويعبّر هذا الموقف عن المخاوف من أنّ انهيار عملية السلام التي ترعاها روسيا والولايات المتحدة.
المسألة العراقية أصبحت مسألة أميركية بامتياز والمسألة السورية باتت أكبر بكثير من الإرادة الإقليمية وباتت وترتبط بمصالح الدول الكبرى، توزيع الأدوار على اللاعبين الرئيسيين يجب أن يأخذ بعين الإعتبار القوى التي حازت معايير الجودة الأميركية وهي قوات الحماية الكردية وقوات سوريا الديمقراطية في الشمال وفصائل المعارضة السورية التي تقاتل في ريف دمشق إلى جانب مجموعة النظام التي تحوز على شروط الموافقة الروسية. ومع ازدياد نجاح المعارضة في حلب ينحسر تِباعاً دور اللاعب الإيراني في سوريا، ربما تُفتح مجدداً معركة القلمون مع تطوّر الموقف في ريف دمشق لصالح قوى المعارضة.
ما هو الدور المُتبقي لحزب الله على الساحة السورية وما هي انعكاسات ذلك على دوره في لبنان سيّما وأنّ التحالف الروسي الإسرائيلي يقوم على ثابتة ضمان أمن إسرائيل وهذا سيُجرّد سوريا من دورها كعمق لوجستي للحزب وكحليف سياسي؟
كيف ستُترجم التوازنات الجديدة على الساحة اللبنانية? وهل يسعى حزب الله إلى كسب الوقت واستثمار دوره كلاعب إقليمي في المعادلات الداخلية اللبنانية قبل أن يتحوّل لاعباً محلياًّ؟
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات