ما تعنيه الحرب في سوريا وتحديداً في مدينة «حلب» بريفيها الشمالي والجنوبي بالنسبة إلى «حزب الله»، هو أبعد بكثير مما تعنيه بالنسبة إلى أبناء البلد الذي أنبت الثوّار على أرضه، بعد موجة الإعتقالات والتعذيب والقتل وتحديداً الاطفال، التي كان قد بدأ بها نظام بشّار الأسد من مدينة درعا في منتصف نيسان 2011.
بالنسبة إلى «حزب الله»، فإن تواجده في سوريا، يرتكز على قاعدة أساسية ورئيسية تقوم على تثبيت المصالح الإيرانية أوّلاً، حتّى لو على حساب دماء شبابه، وعلى إحتلال البلدات والقرى بالدرجة الثانية، وهو الوجه الآخر للحرب التي يخوضها الحزب في سوريا والتي تقوم على القتل والتشريد والتهجير تمهيداً لإحتلال الأرض وإستغلالها في وقت لاحق كورقة ضغط للتفاوض في اللحظة التي تستدعي تقاسم قالب «الجبنة«. أمّا عن الثوّار، فإن الحرب التي يخوضونها، فهي بالنسبة اليهم معركة مصير، معركة حياة أو موت. معركة بقاء في أرض تمتد جذورهم فيها، ويظهر في ملامحهم لون ترابها.
القهر والحصار، أصبحا سمتين بارزتين في الأسلوب الذي ينتهجه «حزب الله» في حربه السورية. وهو أيضاً خيار، كان وما زال يُمارسه في لبنان منذ بدء موجة التفجيرات الإنتحارية في العديد من المناطق والشوارع، وحتّى اليوم في المناطق المتاخمة لمؤسساته الأمنية والإجتماعية والصحية، وهذه منطقة «برج البراجنة» ما زالت تشهد على حصاره للناس وأرزاقهم لصالح أمنه، على الرغم من استمرار ارتفاع الأصوات المُطالبة برفع الحصار عن لقمة عيش الناس. وفي «حلب»، يسير الحزب على المنوال نفسه بعد عجزه مع حلفائه عن السيطرة عليها، فكانت الخطة (ب)، أي مُحاصرة الناس وتجويعهم، عله يتمكّن من إخضاعهم وإجبارهم على التسليم، تماماً كما فعل من قبل في «الزبداني» و»مضايا» وبلدات أخرى رفضت التسليم له.
منذ فترة قصيرة، راح موقع «المنار» التابع لـ»حزب الله»، يُفنّد المعركة التي أطلقتها الفصائل السورية المُقاتلة تحت عنوان «ملحمة حلب الكبرى»، ومن خلال تحليلاته السياسية والميدانية، كان أقصى ما تمكّن من التوصل اليه هو «أن المعركة فاشلة وتصب في خانة التهليل والتضليل». وللتدليل على «مصداقيته» أمام جمهوره بالدرجة الأولى، راح الموقع يُعدد أسماء الفصائل المُقاتلة في حلب حتّى وصل إلى نوعية الأسلحة التي تم تدميرها لها، والتي قال إنها «آليات عسكرية ومدافع ورشّاشات متوسطة وثقيلة». هذه التحليلات التي يدأب عليها إعلام «حزب الله» والتي يستقيها عادة من خلال «الإعلام الحربي»، تحوّلت إلى لعنة على حلف «الممانعة»، بعد استرداد الفصائل العديد من مناطق «حلب»، منها نقاط عسكرية وإستراتيجية مثل «الراموسة» والسيطرة نارياً على «الكاستيلو» والاهم كان، السيطرة الكاملة على «كلية المدفعية«، الثكنة التي اعتمد عليها نظام الأسد طيلة السنوات الماضية، في عملياته العسكرية ضد فصائل المعارضة. وموقعها الإستراتيجي، يسمح لها بالإشراف تماما على طريقي حلب – الرقة، وحلب – حماة.
كما أن الفصائل السورية المُقاتلة، تخوض منذ أسبوعين معركة شرسة مع «حزب الله» وقوّات النظام و»الحرس الثوري الإيراني«، بهدف تأمين طرق إمداد لإيصال المساعدات إلى المدنيين في «حلب»، وتعزيز خطوط الجبهات الداخلية للانتقال إلى مرحلة تحرير كل المناطق والأحياء عبر «معمل الأسمنت»، لكن هذه المعركة لم تمنع عناصر الحزب، من تصويب رصاصهم على الأطفال في مناطق أخرى. فمنذ اسبوعين تقريباً، وجه عناصر الحزب نار رشاشاتهم في بلدة «مضايا» المُحاصرة، نحو الطفلة غنى قويدر فأصابوها في ساقها، فظلّت تنزف طيلة هذه الفترة وسط ألم متواصل. وبعد مناشدات من جهات عدة، سُمح لذوي الطفلة بإخراجها أمس، بواسطة سيارة تابعة لـ»الهلال الاحمر السوري».
وفي سياق حصار الأطفال الذي يُمارسه «حزب الله»، طغى بالأمس مشهد الطفل يمان عز الدين وهو يتلوّى ألما على فراشه، على بقيّة المشاهد والأخبار. الطفل يمان من بلدة «مضايا» المُحاصرة، مُصاب بالتهاب السحايا، وقد ضجت مواقع التواصل الإجتماعي بالشريط المصوّر الذي يظهر فيه وهو يصرخ من شدة الألم، في وقت يظهر إلى جانبه احد الاطباء وهو يدعو إلى إجلائه فوراً باتجاه مشافي دمشق لتلقي العلاج. وقد جرى الحديث أيضاً، عن ان هناك ثلاث عشرة حالة مُماثلة لأطفال مصابين بمرض التهاب السحايا في «مضايا»، لم يتمكنوا حتّى الساعة من مغادرتها لتلقي العلاج اللازم.
تُجمع أكثر من جهة مُتابعة للحرب في سوريا، على أن أخلاقيات الحروب ما عادت ركناً أساسياً من أركان «حزب الله« القتالية ولا حتّى العقائدية، ففي لحظة تكشّفت أوراقه المُبعثرة، وسقطت عنه ورقة «مقاومة« كان يتلطّى خلفها. اليوم يخوض الحزب حرباً شرسة ضد شعب وقف الى جانبه وجانب جمهوره، وفتح له أبواب منازله في «دمشق» و»القصير» والقلمون« و»الزبداني« و»مضايا« وغيرها من القرى والبلدات، لكن عوض ان يرد الجميل ولو بشكل جزئي إلى الشعب السوري، راح يحوّل أرضه الى معتقلات سياسية ويزرع حقولها وطرقاتها بالألغام ويُساهم في تجويع أهلها الذين حرموا أنفسهم ذات يوم من الاكل والشرب، ليوزعوا ما عندهم على جمهور «المقاومة» اللاجئ اليهم.